يبدي كثير من مديري المؤسسات الحكومية عتبهم وعدم رضاهم عن وسائل الإعلام، ففي حين ينتظرون مؤازرتها لجهودهم الكبيرة، يجدونها أكبر عائق لتحقيق أهدافهم، من خلال متابعتها لهم بالطريقة غير المقبولة. وقد يصل الأمر أحيانا إلى اتهام وسائل الإعلام بالتشويه وقلب الحقائق، أو بالتقصير والتجاهل في أحسن الأحوال. وفي المقابل يشكو الإعلاميون من عدم تعاون كثير من المؤسسات الحكومية ومسؤوليها، وتدخلهم في عملهم، أو من ضعف إدارات العلاقات العامة فيها، وأنها لا تجيد التعامل مع الإعلام ، وتطالبهم بالدعاية للمؤسسة أو شخوصها.ونتيجة هذين الموقفين ظهرت فجوة و جفوة كبيرتان بين كثير من المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام، كل طرف يحملها الطرف الآخر. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فقد يتجاوزه إلى حد القطيعة، فتمنع المؤسسة الوسيلة الإعلامية أو بعض إعلامييها من الوصول إلى المؤسسة أو حضور فعالياتها ، أو العكس بحيث تقاطع الوسيلة تلك الجهة تماما.ويبدو أن المعوقات كثيرة للتفاعل الإيجابي، وهي مشتركة بين الطرفين ، وإن كانت المؤسسات الحكومية تتحمل أكثرها، فهناك استقلالية لكل طرف، وحدود ينبغي عدم تجاوزها، كما أن هناك مهارات وأسرارا للتعامل مع الإعلام، لا يدركها كثير من المسؤولين، بحكم بعدهم عن العمل الإعلامي .ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى نقطتين جوهريتين ؛ الأولى تتصل بإيمان المسؤولين بضرورة تطوير أقسامهم الإعلامية ، فهم يحرصون على تطوير المهارات الإعلامية لدى موظفي العلاقات العامة ، ليسهموا في حضور مؤسساتهم بشكل مهني بعيدا عن الممارسات الإعلامية الخاطئة، الناجمة عن خلط المفاهيم الإعلامية بالدعائية والرأي بالخبر ، والكم بالكيف وغيرها. وهذه نقطة إيجابية يمكن البناء عليها.
أما النقطة الثانية فتتصل بضعف معظم المسؤولين من الناحية الإعلامية، بحيث يفتقرون هم أنفسهم، فضلا عن موظفي العلاقات العامة إلى أمور أساسية في التعامل مع الإعلام ، ظنا من بعضهم أن ما يملكون من خبرة إدارية كافية ، لتسعفهم في تواصلهم الإعلامي، وظنا من بعضهم الآخر أن وجود مدير جيد للعلاقات العامة، كفيل بتحسين الممارسة الإعلامية، وتوجيهها التوجيه الصحيح. غير أن ذلك ، فيما يظهر، غير كاف، فرأس الهرم نفسه يحتاج إلى معرفة أمور أساسية في التعامل مع الإعلام ، تختلف عما يحتاج إليه مدير العلاقات العامة، انطلاقا من موقعه وعلاقته بوسائل الإعلام. وتطوير الممارسة الإعلامية لأي مؤسسة، ينبغي أن يضم قبل موظفي العلاقات العامة رأس الهرم ، فهو المسؤول الأول عن الممارسة الإعلامية في جهازه، وهو الذي يمثل المنطلق للحضور الإعلامي، ويتحمل العبء الأكبر في نتائجه؛ لذا لابد من أن تتوافر لديه المهارات الأساسية للتعامل مع وسائل الإعلام، والتي تشكل جزءا مهما من مهارات الإدارة في هذا العصر.
وموظف العلاقات العامة، مهما بلغ من مهارة، يظل مقيدا برؤية رئيسه الذي يتدخل في مؤسساتنا غالبا بأدق التفاصيل، ظنا منه أنه أعلم من مرؤوسه في كل شيء، وكثير من مديري العلاقات العامة يعانون عدم وضوح مهمتهم عند رؤسائهم ، وتدخلهم في كل صغيرة وكبيرة ، ويعيدون الأخطاء التي تواجههم إلى هذا التدخل، في كثير من الأحيان. والأسوأ من ذلك أن بعض المسؤولين يتجاوز مؤسسته ليتدخل في المؤسسات الإعلامية وتفاصيل عملها ، حتى على مستوى التحرير الإعلامي ، مما يوجد توترا بين الطرفين، يصل في معظم الأحيان إلى القطيعة. وهذا فيما يبدو، سبب رسم صور ذهنية سلبية عن بعض الجهات ، حيث تقع في أخطاء جوهرية في التعامل مع وسائل الإعلام ، نتيجة غياب التنظيم والتأهيل والحكمة؛ مما يخلق مشاكل وتوترا يؤثر سلبا على سير العمل داخل المؤسسة، كانت المؤسسة بغنى عنه . وكم من مرة يُعطّل العمل وتُعقد الاجتماعات، وتُجند الطاقات سعيا إلى حل مسألة إعلامية، يتحمّل رأس الهرم مسؤوليتها كاملة ، وإن كان يُحمّلها الإعلامي الضعيف مهنيا من وجهة نظره. إن معرفة السياسة الإعلامية، وسياسة وطبيعة العمل الإعلامي في وسائل الإعلام، قمين بأن يعزز العلاقة بين المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام ، وهذا الأمر لم يعد ضمن الثقافة الشخصية ، بل أصبح ضرورة للمسؤول، ففي ظل هذا الانفجار الإعلامي العالمي، وهذا الانفتاح الإعلامي الوطني ، تصبح مهارة التعامل مع وسائل الإعلام والإعلاميين ، بل صنع وسائل إعلامية خاصة بالمؤسسة ،عنصرا أساسيا للإدارة الناجحة. وهذه الأمور ليست فطرية وإنما مهارات مكتسبة، يجب أن يبحث عنها المدير؛ لأنها تصب في مصلحة مؤسسته وتساهم في تحقيق أهدافها , كما تجنبها كثيرا من الهدر في الوقت والجهد، اللذين يصرفان لإصلاح ما أفسدته الممارسة الإعلامية الخاطئة، من المؤسسة نفسها.
[email protected]