يبدو الوضع الفلسطيني الداخلي بلا أفق في الحل، ورغم التصريحات الرنانة لمختلف الكتل المتصارعة، إلا أن الكلام والشعارات في وادٍ وما يجري على أرض الواقع في وادٍ آخر. فالكلام عن مصالحة فلسطينية/ فلسطينية لا يعدو مجرد أمانٍ وأحلامٍ، تفزعها طلقات الرصاص وعمليات الاعتقال وأساليب التهييج والإثارة والعنف المتبادلة، والتي حولت معسكر المواجهة من خندق العدو إلى صدور الأهل والأقرباء بشتى انتماءاتهم وتياراتهم وفصائلهم. الفلسطينيون الذين تنازعوا حول خارطة طريق مع إسرائيل، يبدون أكثر إلحاحاً في الحاجة إلى خارطة طريق داخلية، تتجاوز تعقيدات الوضع ما بين غزة ورام الله، وما بين حكومة مقالة، وأخرى مكلفة، ما بين رئاسة وسلطة هشة، وواقع مرير ومشتت ومنقسم، ومواطنين يائسين ومحاصرين ومقهورين بفعل الاحتلال تارة، وبفعل أبناء العمومة تارة أخرى. حالة القهر تلك، تزيد من خطورة الوضع الفلسطيني وتجعله متشظياً أكثر، خصوصاً وأن انتقال الصراع إلى الأرض، وفي الشوارع، يكرس عمق الانقسام الذي ساد الوطن الفلسطيني المنقسم والمفتت أساساً، كل قيادة تمارس نفس حالة الإقصاء، وتتربص بها، وتعقد أي حل، في ظل حملات التشكيك المسبقة في النوايا، وعدم قبول أي طرف، أو رضوخه لمعادلة المصلحة الفلسطينية ذاتها، وكأن هذه المصلحة بعد أكثر من نصف قرن لا تستحق الدماء التي سالت من أجلها، ولا التضحيات التي بذلت، وليصبح فلسطينيو رام الله، ليسوا بأفضل حالاً من فلسطينيي غزة، الكل أصبح رهينة الاحتلال وأسير نتائج الصراع المأساوية. السؤال الآن: هل تجدي كل الدعوات للمصالحة الفلسطينية؟ أم تصبح مجرد كلمات يائسة نحو وضع غير قادر على إصلاح نفسه قبل أن يصلحه الآخرون؟ وهل يمكن أن يتجاوز الفلسطينيون عقدتهم ويستطيعوا التحاور مع أنفسهم، أم يفضل فصيل منهم محاورة العدو على حوار الشقيق؟ هل يمكن لهم وبأيديهم تحويل حالة الانكسار تلك إلى نقطة فرح، تلملم الجرح، بدل أن تعمق الهاوية، فينفض الجميع منهم يدها، مرة ثم مرة.. وللأبد؟