DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

محمد الحرز

محمد الحرز

محمد الحرز
محمد الحرز
أخبار متعلقة
 
مساء الثلاثاء الماضي كانت انطلاقة الأنشطة في النادي الأدبي بالأحساء ,وذلك من خلال النشاط الذي أقامته لجنة السرد والنقد تحت محور ( سرد المدن). هذا المحور الذي أردناه نقطة انطلاقتنا إلى آفاق أرحب في فهم المدن انطلاقا من سماتها الثقافية شديدة التنوع حد التناقض. مرتكزين على كون التفكير في المدن وتأملها يأتي في إطار أشمل من الأهداف والغايات التي نتوخاها في هذا الجانب, وهي أن فهم المدن وتأملها من العمق هو فهم للآخر وفهم لثقافته بالمعنى الشامل لهذه الثقافة, والذي يكون الانفتاح عليه وتقبله هو النتيجة الطبيعية لهذا الفهم. وبناء عليه فقد استضفنا في هذا النشاط الناقد د.سعد البازعي, ود. مشاري النعيم . والكلمة التالية هي بمثابة المقدمة التي افتتحنا بها هذا النشاط. بداية ينبغي علينا أن نجيب عن السؤال التالي: لماذا سرد المدن؟ يمكن القول ان المدينة لم تعد هي المدينة, ولا الثقافة هي الثقافة , ولا الحياة كذلك هي الحياة. وكأن شيئا انكسر ولم يعد قادرا على الالتئام. لا شيء يوقف الطوفان أمام تفتت المدن وذوبانها, أمام تصلب الذاكرة وتجلط التاريخ, حتى أصبحنا نشك أن فكرة المدينة ذاتها قد تحولت إلى مجرد وهم وسراب. وبفعل ثقافة معاصرة أنتجتها خطابات العولمة اُنتهك فضاءُ المدينة واستُبيح مجالُها. هذا الفضاء لا نعني به مجرد تجمع سكاني فقط. إنه الفضاء الذي تتقاطع فيه رغباتُ فئة من الناس ,أحلامهم وأحاسيسهم , خوفهم وسعادتهم , ذاكرتهم التاريخية , وعلاقاتهم الاجتماعية, نمط عيشهم وعقليتهم السائدة, فنونهم وآدابهم ,عِمارتهم وآثارهم المكانية. إنه باختصار الفضاء الذي لولاه لأصبح الإنسانُ هو ابن الطبيعة بامتياز. أليس السعي إلى المطابقة والوحدة وفرض النموذج الواحد والرؤية الأحادية هي من السمات التي تتصف بها ثقافة العولمة؟ حتى قيل ان العالم قرية صغيرة.»إن صيغة العولمة هي صيغة إعلان انتصار عالم على كل العوالم الأخرى, وبالتالي توحيد العوالم في بوتقة عالم أحادي. وما دام الأمر كذلك, أي ما دامت العولمة هي عَلَمٌ يستهدف نكران العالم , فهو عالم بدون عواصم , عالم بدون مدن , عالم لا يعرف الحدود. إن زمن المدينة الفاضلة ليس له موطأ قدم في زمن العولمة, فالمدينة كمطمح سياسي ومعرفي لم تعد موجودة , لأن المدن الآن تقاس بقدرتها الاقتصادية , وبالتالي تقاس بقدرتها على نفي ذاتها كمدينة. لقد تم تعويض الحديث عن المدينة الفاضلة بالمدينة الافتراضية». ان مطمح المثقف وكذلك السياسي عبر التاريخ كان ولا زال ينحو صوب مدينة تتحقق فيها إنسانية الإنسان , وسعادة الجماعة. حيث يسعى إلى نفي مدينة وبناء أفق المدينة المنشودة. بينما الآن يسعى رجال المال والأعمال إلى نفي المدينة عبر جعلها ليس في مركز العالم بل خارجه, لا تحدها حدود جغرافية لأن العالم مجرد قرية والمدينة توجد في اللامكان , في متخيلنا. ولكن إذا كانت المدينة الفاضلة غير عاملة في الواقع, فالمدينة الافتراضية عاملة فيه , لأنها سوق كبير لا يتموقع في أي مكان في العالم , ولكن يرتاده ويقيم فيه ويتبضع منه كل الناس في العالم. لذلك انطلاقا من هذا المنظور جاء محور( سرد المدن) كانطلاقة لأنشطتنا باعتباره محورا يلامس أزمة المدن من العمق, يساءل الجانب الإبداعي الفني بالقدر الذي يساءل فيه الجانب الفكري والتاريخي والفلسفي والعلمي, يساءل جماليات المكان بالقدر الذي يساءل فيه عن عمقه التاريخي وآثاره المنقوشة على لوح تفكيره وسلوكه. إن سؤال المدينة يدعو المثقف إلى نوع من مساءلة الذات: أيمكن أن يكون دوره هو المساهمة في خلق وعي مدني, أم الاكتفاء بقراءة تاريخ المدينة؟ أي أينبغي عليه أن يتقوقع حول ذاته منتجا ومبدعا أنماطا في تذوق جمالية الأشياء والوجود.أم أن عليه أن يغوص في جذور انتمائه التاريخي والمجتمعي, رابطا بين خصوصية الانتماء وكونيته , متشبثا بإرادة الحقيقة. وإذا كنا نأخذ من الثقافة منطلقا إلى فضاء تلك الأسئلة فإن الأحلام لا تنفك تغذي هذا المنطلق وتعزز موقعه في الحياة. ربما جاءت أمسية هذه الليلة تلبي شيئا من هذا المنطلق, فالمدينة ستقع تحت منظور تحليلي, سيكون مشدودا بين مرجعيتين ثقافيتين, رغم تباين المنطلق والرؤيا , إلا أنهما يصدران من معين مشترك هو الرغبة في أن يواصل الحلم حلمه عن المدينة الفاضلة, ولا يتوقف. هاتان المرجعيتان هما محاضرا هذه الليلة. وقبل أن أحيل الحديث إليهما , عليّ أن أشير أخيرا إلى حقيقة مفادها : أن وعينا بالمدن هو وعي بالأرض وليس بالفضاء كما هو حال مدينة مثل الأحساء. الوعي الأول لا ينتج سوى الحنين المقدس, أما الثاني إن وجد فهو يضعنا مباشرة أمام أزمة المدن من العمق , وهو غايتنا التي نسعى للكشف عن مدلولاتها القصوى في هذا المحور. فالحنين المقدس تجد أبرز مظاهره في كون الثقافة لا تنفصل عن الهوية عند أصحاب هذا الوعي. فعلى سبيل المثال ترى شريحة واسعة من المجتمع الاحسائي إلى الكاتب و المثقف والمبدع والناقد بوصفهم احسائيين , بأنهم ليسوا سوى نتاج هذا الحنين المقدس والتي هي الأرض , متناسين تماما أن الفرد حين يمارس الكتابة والتفكير والتأمل والتذوق والفن فهو بالضرورة ينتمي إلى منطقة أخرى, ينتمي إلى الثقافة وحدها والثقافة لا لون لها ولا طعم أو رائحة أو حدود جغرافية. فالثقافة هي الثقافة تتجاوز الحدود ولا تركن إلى هوية لذلك كان محور سرد المدن رهاننا الأكبر على تصحيح هذا الخلط بين الثقافة والهوية. [email protected]