أخبار متعلقة
اراد الله تعالى أن يتوفى أحد رواد الحركة الشعرية والرومانسية في المملكة العربية السعودية ... وفرضت ارادة الله ألا يكون حوارنا معه هذا الأسبوع فقد اتصلت بابنه الوحيد قطيف قبل أسبوع من وفاة والده فقال لي بان والدي من الصعوبة بمكان أن تلتقي معه في ظل سوء حالته الصحية في الوقت الراهن ولم يكن لي الا بالرد عليه بالدعاء له بالشفاء العاجل وتحسن صحته في المستقبل القريب فقال لا اعتقد ذلك وانما نريد دعاءك .... وشاء القدر ان يرحل عنا ولكنه سيبقى في سجل التاريخ باعماله وانجازاته. .وصلت منزله بالقطيف المنفتح من أبوابه للمجتمع وكأنه يعكس طبيعة الشاعر عبد الله الجشي يرحمه الله .... ام قطيف عندما شاهدتنا نتجول في مكتبته ونتصفح هذا التاريخ بصحبة وائل الجشي « ابن اخت والد الضيف « وعندما أردت الحديث عن مرحلة مرضه سقطت الدموع من عينها وكان لسان حالها لا يرغب ان نتحدث عن هذه الفترة العصيبة ولكن ابنتها «يمامة» اخبرتنا عنفترة مرضه مع ابنة اخته الدكتورة نهاد . ..كثيرة هي التجارب التي خاضها الجشي من خلال دراسته في النجف في أواخر الثلاثينيات واوائل الأربعينات إلى تفرغه بعدها للأدب والتاريخ ونترككم مع الحوار :
فترة المرض
لعلنا نبدا معكم الحوار حول الفترة المرضية التي عانى منها والدكم يرحمه الله قبل وفاته كيف مرت معكم ؟
ـ كانت الفترة الاولى لرحلته مع المرض قبل خمسة أعوام حيث تعرض الى الجلطة مما ادخل على اثرها في عزلة تجاوز فيها بعد صمت ثلاثة شهور اكتشفنا في الواقع ان صمته كان بسبب فقدانه للاسنان حتى لا ينطق الحروف بشكل غير لغوي لاحترامه للغة العربية وعندما تحسن معه العلاج أخذا ينطق سليما .
ماهي الجوانب الانسانية التي مرت في حياة والدكم ؟
ـ في أثناء حرب 67 كان لدينا جيران من الجنسية الفلسطينية وبحكم الجيرة نمت هذه العلاقة حتى اصبحت اشبه بالعلاقة الاسرية وكان يوصينا عندما نذهب اليهم ألا نتحدث معهم عن الحرب وهو يصمد كي لا يمسح دموعه امامنا فهو يحمل هموم الانسان العربي المسلم وعلاقته الوثيقة بالانسان يقف بجانبه واتذكر انه وقف امام الكثيرين في التعليم والبعثات فكان يؤمن بالتكاتف والتعاون والمشورة في حياته لايترك أحدا الا ويسال عنه سواء من العائلة ام من الاصدقاء له فهو انسان من النوادر الذين يتمتعون في مثل هذه الصفات حتى ان جدتي كما يقال بانها دعت ربها بان يعيش والدي حتى لو ياخذ بصرها
لماذا؟
ـ لانه الوحيد لديها فقد كانت عندما تنجب اولادا لا يعيشون وبالفعل استجاب ربي دعاءها وأخذ بصرها
الدور الثقافي
اهتماماته في الجانب الاسري هل كانت تنصب على الدور الثقافي معكم ام ماذا؟ ـ كان لا يهتم بتوجيهنا الثقافي فحسب بل حتى في حب العلم و كان يوجهنا نحو التعليم وفي كل اسبوعين اتذكر انه ياتي بالكتب وقصص الاطفال وكان يكافئنا بقصص اخرى التي كان يصطحبها من مكتبة الخضراء والكيلاني و كان يهتم بتشجيعنا للتعليم حتى اننا اعتدنا امامه الا ننتقد المعلم فهو امامه من اكبر المنازل ولذلك كانت القصائد الاولى التي كان يرددها امامنا هي «قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا «وبالتالي نحن لم نرث منه المال بل العلم والسمعة الطيبة فهو لم يكن اديبا قحا بل كان يهتم بالانسان من خلال مقالاته المبكرة للعمل والعمال فهذا يدل على حسه الوطني وانتمائه الذي لم يكن اقليميا بل باتساع الوطن
احترام الرأي الاخر
ماذا تعلمت منه؟
الكثير والكثير فقد ترعرعنا في أسرة لاتهتم بالمظاهر الزائفة بل كان يركز على التواضع في مسارات حياته وتعلمنا منه احترام الآخرين والرأي الآخر والاعتدال في السلوك والفكر فوالدي يحمل سلوكا غير متطرف وان كان في ذلك فهو في حبه لوطنه التي كانت متجددة بروح التجديد والتطوير
كيف ذلك؟
ـ اقول لك ان والدنا كان لايعيش في مرحلته الزمنية السابقة فقط بل لاتتصور انه كان يلعب معنا الالعاب الحديثة والمسلية منها الشطرنج وغيرها من الالعاب اضافة الى انه شخص يقهر الزمن ولايستسلم ولايعيش الماضي فقط بل روحه حاضرة في كل المراحل الحياتية
القصائد الشعرية
بودنا ان نسلط الضوء على جوانب اهتمامات والدكم في القصائد الشعرية على النطاق الاسري؟
ـ لاشك ان والدنا يرحمه الله بحكم تكوينه الثقافي المبكر في النجف تفتح على خدمة الاجواء الادبية من ثقافات عالمية التي توسعت مع الاحتدام السياسي فقد بدا ينظم الشعر حينما تفتحت مداركه وهو في النجف ولما يبلغ العشرين من عمره أي ان له اكثر من نصف قرن والتي منها تكونت شخصيته ومن ثم انعكست على حياتنا معه فقد كان يحفظنا الشعر ويحفزنا للحفظ له بدفع مبلغ معين
وكم كان في ذلك الوقت ؟
خمسة ريالات تقريبا فقد كان ينظم القصائد الشعرية لدينا ويقرئها ونحن صغار ولم يكن يفضل اسلوب التلقين في حياته معنا وتوجيهه لنا بانه لايقول لك اعمل وانما يحول الموقف من المذاكرة الى عادة والتفوق يصبح عادة حتى لو لم تتفوق لا يلومنا فكان يردد علينا ان النجاح يحققه أي شخص اما التفوق فهو للمتميزين فقط
مواقف عالقة
وماهي المواقف التي لازالت عالقة في ذهنكم تتذكرونها مع والدكم ؟
ـ كنا اذا قدمنا من المدرسة يدرك انها المسؤولة في إيصال المعلومة ومرة طلبنا منه ان يكتب تعبيرا ورفض ذلك وقال اكتبه انت وانا أصححه فقط
على اعتبار ان والدكم شاعر ماذا تاخذ نصيب المراة في حياته ؟
ـ المرأة في حياته مقدرة سواء كانت أختا ام زوجة فهو ليس لديه انفصام بين المبدا والتطبيق حيث لاتوجد لديه ازدواجية بالمواقف فهو منسجم مع سلوكه وبالتالي فهو يشجع المراة ويدعمها ولايوجد لديه تحيز حتى انه عندما سئل في دور ام قطيف قال هي الرئة التي اتنفس منها حيث لم تذكر والدتنا بأنه حاسبها في يوم من الايام عن شي لم تفعله
أسماء الأبناء
اختيار والدكم لاسم قطيف ويمامة ماهي دلالات ذلك الاختيار؟
ـ اختار قطيف نسبة الى مدينته القطيف ويمامة قبل ان يسميها بهذا الاسم كانت هفوف نسبة الى مدينة الهفوف وانما اسشار والدتي وتم الاختيار على يمامة
متى والدكم يفضل كتابة قصائده الشعرية؟
ـ في الليل وفي اوقات متأخرة من المساء
وماهي ابرز الاشياء المحببة لديه؟
ـ قراءة الادب والتاريخ ويحب الزيارات العائلية
وماهي آخر الاصدارات لديه؟
ـ قطرات ضوء والحب للارض والانسان ومجلدان جمعه عبد المقصود محمد سعيد خوجه
وماهي القصيدة التي كان يرددها امامكم؟
ـ ملحمة شراع على السراب وهي تحتوي على ثلاثة آلاف بيت لوالدته وقد نشر منها في مجلة العرب التي كان يصدرها حمد الجاسر يرحمه الله
النشأة والتعليم
دعني انتقل معكم حول البدايات مع والدكم من خلال النشأة والتعليم ؟
ـ اولا بدايات والدي في القطيف حيث كانت هناك النشأة فقد ولد فيها عام 1344ه وتلقى تعليمه في هذه المدينة بدراسة القرآن .
على يد من تعلم القرآن؟
ـ على يد المرحوم ملا عيسى العبد العال ثم تعلم الخط والحساب والسيرة النبوية وكانت على يد المرحوم الشيخ ميرزا حسين البريكي وهذه كانت على مرحلة اولى ثم بعد ذلك هاجر مع جدي الى النجف عام 1354هـ. وكم كان عمره في ذلك الوقت؟
ـ كان عشر سنوات مما تلقى فيها العلوم الشرعية والنحو والصرف والبيان والبلاغة والمنطق على يد جدي يرحمه الله والشيخ علي منصور المرهون والشيخ أديب النجفي والشيخ عبدالله الخليفة الاحسائي
هل استمر في البقاء بالنجف؟
ـ اقام في النجف حتى عام 1367هـ حتى تفتحت مداركه واظهر نبوغه وخاصة في مجال الشعر مما اسهم في ذلك انتسابه الى جمعية الرابطة الادبية بالنجف والتي تضم مجموعة من الادباء والشعراء البارزين ولاشك انه في اواخر الثلاثينات واوائل الأربعينات برز شعراء مميزون باسلوبهم في الشعر عمن كان قبلهم فقد برزت جماعة ابولولو وعلي محمود طه في مصر وفي العراق برز الشاعر محمد مهدي الجواهري وفي لبنان برز الاخطل الصغير وفي تونس برز ابوالقاسم الشابي وفي سوريا برز بدوي الجبل وعمر ابو ريشه وسليمان العيسى وغيرهم من اعلام الشعر في ذلك الوقت وقد اعجب بكل هؤلاء وبامثالهم فقد كان في النجف اربعة من الاصدقاء خلال هذه الفترة يتطلعون الى ماتنشره الصحف لهؤلاء حيث كانوا يجتمعون في ليالي الشتاء في غرفة من الصحن الحيدري التي تحتوي على قبر الشيخ موسى بوخمسين وفي الصيف امامها في الصحن الحيدري ويتدارسون مايستجد في الساحة الادبية والشعرية .
ومن هؤلاء؟
ـ الاستاذ عبد الرضاء صادق من النبطية بلبنان والشيخ باقر ابو خمسين من الاحساء والشيخ عبدالحميد الخنيزي الذي ابدل لقبه الى الخطي
مشاركات ادبية
هل كانت له مشاركات ادبية معهم في تلك الفترة ؟ ـ نعم كان يشاركهم بشعره في الاحتفالات التي يقيمونها في المناسبات حيث لم يقل شعره جوده عن غيره من شعراء النجف الكبار مما مكنه ذلك ان يصبح محررا ثم رئيسا لتحرير مجلة الغري التي كان يصدرها الشيخ علي الخاقاني فقد نشر خلال توليه المجله سلسلة من المقالات بعنوان الدولة القرمطية في البحرين ثم جمعها في كتاب وصار كذلك مسؤولا في مكتبة العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وهي تعتبر مكتبة عامرة بشتى انواع الكتب والمخطوطات النادرة .
بعد عودته الى الوطن ...ماذا حملت تجربته الادبية هنا ؟
ـ بعد عودته الى المملكة في عام 1948م اشتغل مبكرا بالعمل الادبي وفي الفترة الاولى التي اعقبت عودته من العراق اشتغل ايضا بالتجارة وعمل في مجال الذهب ولكنه لم يستمر طويلا حيث عمل في الدمام مرة والثانية في القطيف وكان اسم متجره الفجر الجديد
رموز أدبية
ماهي الرموزالادبية التي اتصل معها بعد عودته ؟
ـ العلامة حمد الجاسر الذي كان يعمل في الظهران مشرفا على التعليم في شركة أرامكو حتى ان والدي نشر بعضا من انتاجه في مجلة اليمامة التي اصدرها الجاسر ومجلة العرب وعبد الله بن ادريس وغيرهما من الادباء والعلماء وفي هذه الفترة انتعشت صحافة الافراد والصحافة الادبية فاصدر الجهيمان أخبار الظهران فقد كان والدي احد اعمدة أخبار الظهران
ماهي ملامح العصر التي عاش فيها والدكم؟
ـ في فترة الخمسينيات والاربعينيات يمكن وصفها بأنها فترة تألق في القطيف وماجاورها كانت المدارس قد ظهرت للتو ولم تكن هناك مجلات ادبية وكان الناس يقرأون الجرائد والمجلات التي تاتي من الخارج فقد كانت البحرين هي مصدر الثقافة التي يعتمد عليها الناس فمطبوعاتها تصل الى القطيف ويرأسها المثقفون
ماهي اول قصيدة كتبها والدكم لدى عودته للوطن؟
ـ اول قصيدة كتبها في المملكة كانت في عام 1950م وهو في طريقه للرياض في زيارته للملك المؤسس عبد العزيز ونشرها في الاعداد الاولى لمجلة صوت البحرين وخارج المملكة شارك في العرفان والاديب والاداب في الخمسينات
العمل في الرياض
كيف بدات حياته العملية في الرياض ؟
ـ نعم التحق بمصلحة العمل عام 1955م التي ظل فيها خمسة اعوام حتى عام 1960م حيث سكن في شقة ملحقة ببناية تابعة للوزارة على شارع الرياض ثم انتقل للسكن الى بناية في جنوب البطحاء ومنها انتقلت البناية في شارع المرقب وكان من خلال اقامته بالرياض حرص رحمه الله على زيارة اساتذته و منهم حسن مشاري كل جمعة بالملز باعتباره من اعيان المنطقة الشرقية والشيخ عبد الله بن ادريس بين الحين والآخر وقد انتمى لنادي الموظفين الرياضي حيث كانت الرياضة واجهة له وكان يرأسه الاستاذ أحمد الدمنهوري وكان سكرتيره عابد خازان ومن أعضائه الاستاذ فهد السديري واخوانه وكان يزوره عدد من الاصحاب وتقام فيه الندوات الادبيه وعرض سينمائي ليلتي الاثنين والجمعة وفيه ملاعب للتنس وكرة السلة اضافة الى ان والدنا رحمه الله التقى في الرياض بابي عبد الله النعيمي الذي كان يحدثه عن المعارك التي خاضها مع مؤسس المملكة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه حيث تحتوي مكتبته على كتب نادرة في مختلف مجالات العلم وكانت رحلته العملية وهو في تجربته في الرياض قبل ان يتوجه اليها عام 1953م كموفد من جدي قاضي القطيف في ذلك الوقت لعرض بعض مطالب عامة على الملك عبد العزيز يرحمه الله ويقول والدي انه عندما دخل الى مجلس الملك عبد العزيز يرحمه الله في قصره بالمربع وكان بالمجلس بعض الامراء والوزراء والمستشارين وأحد المشائخ يلقي بعض الاحاديث النبوية صافح الملك عبد العزيز وعرفه بنفسه وساله الموسس عن والده ثم سلمه رسالة له وكانت تجربة الرياض مليئة بالمشاركات وحضور المنتديات ومنها الى جلسة مجلس الشورى في مكة المكرمة برئاسة احمد ابراهيم غزاوي رئيس المجلس
وماذا كان الهدف من إقامة هذا المجلس ؟
ـ اقرار عطلة يوم الخميس للعاملين لدى شركة ارامكو بواسطة المقاولين وكان اثناء تواجده في مكة زار مع وفد من القطيف الامير الشاعر عبد الله الفيصل يرحمه الله وأهداه نسخة من ديوانه المطبوع في تلك الفترة كما توجه مع الوفد من اهالي القطيف الى جدة لتعزية الملك سعود في وفاة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ومن جدة توجه الى الرياض ونزل في ضيافة ام قبيس وشاءت الاقدار ان يتعرض والدي الى تسمم اصابه بنزيف وقطع زيارته ومن ثم عاد الى الشرقية كما التقى مع عدد من ادباء الحجازهناك
هل تتذكر احدهم ؟
ـ الشيخ محمد مسعود
المقربون منه المقربون من والدكم من هم ؟
ـ كان محمدجواد القطان ومهد ي المخزومي ومن اصدقائه عبد الرضا صادق من لبنان والشيخ باقر ابوخمسين من الاحساء والشيخ عبد الحميد الخطي من القطيف أما زملاؤه فكانوا احمد الدجيلي والسيد رؤوف جمال الدين والسيد مصطفى جمال الدين
عائلة الجشي لمن ترجع؟
ـ اسرة الجشي تنتشر في القطيف والبحرين والاحواز والعراق وغيرها حيث تعمل اسرة الجشي في تجارة اللؤلؤ واستثمار العقارات والنخيل وتفرغ بعضهم لدراسة الفقة والادب
ومن هؤلاء؟
ـ الشيخ عبد العزيز وهوشاعر وفقيه والشيخ علي بن حسن ومحمد علي بن مسعود ومحمد حسن ومنصور الجشي والشيخ محمد علي ماجد الجشي ومحمد علي الحاج احمد الجشي ومحمد سعيد الجشي وغيرهم
كلمة اخيرة ؟
ـ أشكركم وأشكر جريدة اليوم لاهتمامها بوالدي
الزميل القو خلال تجوله في مكتبة الراحل بين الدروع والهدايا
الزميل القو خلال تجوله في مكتبة الراحل بين الدروع والهدايا