(1)مثل كل البيوت أو أغلبها كان لهذا البيت باب خلفي، ومثل كل الأبواب كان لهذا الباب مفتاح، ومثل مصير أغلب المفاتيح كان لهذا المفتاح نسخ بعدد قاطني ذلك البيت . أما لماذا يُوجد باب خلفي؟ فهذا ما لا تستطيع سؤاله للمهندس المعماري، إما لأنه قد يبحلق في وجهك مستنطقاً فيه بلاهة محتملة، أو لأن حركة البيت عند ذلك الباب لا تترك مجالاً للتخمين، فهي تستخدمه كمخرج أزمات حين يكثر الازدحام على الباب الأمامي، ويروق لأهل البيت التسلل منه وإليه رغبة في الهدوء، أو رغبة في الحفاظ على الشكل العام للبيت دون بلبلة أو فوضى قد يوجدها التخزين أو التنظيف، من الباب الأمامي يدخل الجميع، أصحاب البيت والضيوف والخدم والعابرون، وعبر الباب الخلفي لا يمر سوى أهل البيت أو مستخدميهم، قد يستأثر الباب الأمامي بكل المعرفة والتقدير في نظر الآخرين، لكن وحده الباب الخلفي الأكثر التصاقاً بتفاصيل الحياة داخل البيت، والأقل صخباً في الفتح والإغلاق، والأوفر نصيباً من الإهمال!
(2) كل الذين «يطرقون» الأبواب مرحب بهم في البيوت، قد يُقبِل المضيف بكل جوارحه على بعض ضيوفه، أو يتحفظ مع آخرين، وثقل الجبال الذي قد يتمتع به الضيوف لا يمنع في كثير من الأوقات استقبالهم، يشفع لهم في ذلك «استئذانهم» ! والآمال التي تحدو المضيف بأن إقامتهم وإن طالت لن تكون أبدا ! أما اللصوص فيحبذون التسلل من خلال النوافذ والشبابيك، إما بحكم طول «العِشرة»، أو لكونها المدخل المنطقي للدخيل، لكن متى كان الدخول من النافذة في نظر أهل البيت لا يخضع للرقابة ؟ أو للاحتراز ؟ أو للضوضاء ؟ اللصوص الفاشلون وحدهم يقبعون خلف نوافذ البيت ومنها إلى الزنزانة، لا أحد يخشى لصاً يعلن عن نفسه بتهشيم الزجاج ونشر القضبان ! حتى الخسائر بعد حصرها لا تعدو كونها في حدود الطاقة، وإن لم تخل في مجملها من الضيق وإشاعة التوتر والحرص على وضع مزيد من «الأقفال» و متينها!
(3) الباب الخلفي لا يحمل جرساً كالباب الأمامي، ولا قضباناً كالنافذة، لا لون محدد له أو زينة خاصة، يندمج في ثنايا البيت حتى ليبدو للبعض غير مرئيٍ! لا تلتفت للداخلين منه لأنك لن تجد وجهاً جديداً أو ترتقب من خلاله حدثاً مثيراً، كل الوجوه «معروفة»، والأحداث عبره روتينية، الذي يملك مفتاح الخلفي شخص إما شاطرك غير سقف البيت دمك أو طعامك أو الاثنين معاً، الذي يملك مفتاح الخلفي يعرف أين تنام وماذا تقرأ وقائمة المتصلين بهاتفك، الذي يملك مفتاح الخلفي لا ينسى أين تجلس أو كيف، ولا يخطئ في تحديد ماذا تفضل وماذا تمقت وماذا يسبب لك الانزعاج أو يدخل في نطاق عدم الممانعة، الذي يملك مفتاح الباب الخلفي يحفظ عن ظهر القلب نقاط التوتر في البيت وأعواد الثقاب التي قد تشعلها، الذي يملك مفتاح الباب الخلفي لا تلتفت نحوه مستغرباً إذا دخل، هو من النوع الذي توليه ظهرك « مطمئناً »، وتغمض عينيك في حضرته ممتناً للأحلام التي يعد بها النعاس، ومتمتماً للتأكيد عليه بقفل الباب من خلفه!
(4) في البداية تلاحظ تغييراً في مواضع الأثاث، تتساءل عن الفاعل والمغزى والكل يخمن أن الآخر هو الفاعل، يتقلص مخزون البيت شيئاً فشيئاً رغم الحرص الرتيب على متابعته، تفكر في الشراهة التي حلت فجأة على أهل البيت من غير أن ترى لها في الوجوه والأوزان ترجمة مناسبة! تلاحظ وجود غرفة مقفلة في الطابق العلوي، تتساءل : من يستخدمها؟ لكن لايزال الكل يحدق في الكل ! تتغير ألوان الجدران والمساحات دون أن تشعر كيف ومن الفاعل؟ تقرر معاهدة الباب الخلفي، تسهر على مراقبة مفتاحه، دون الاكتراث بحامله، الباب يُقفل ويُفتح كالمعتاد، لا يدخل في جوفه غير مفتاحه ! تمر الأيام فتلحظ ظلالاً غريبة تجوب البيت، تتبعها فلا تكاد تميزها، صوت الحذاء الذي تسمعه لا يبدو مألوفاً، يتكاثر عدد الغرف المقفلة، والأصوات الغريبة، يتناقص أهل البيت تدريجياً، يغيبون في تلك الغرف المغلقة، أو يخرجون من البيت ولا يعودون، تفكر في اجتماعٍ طارئ، تتوجه ومن بقي معك لبحث السؤال ( كيف تسللّت «الظلال» من الباب الخلفي ؟)، يصحح لك أحد الجالسين زاوية السؤال فيغدو ( ماذا تريد تلك الظلال من البيت؟ )، بينما يتطوع طفل ظريف لعرض سؤال يتلجلج في جعبته ( من «سلَّم» مفتاح الباب الخلفي؟!! ) ...... هل تعرفون؟
[email protected]