لا نعلم كيف أو على أي أساس راهن البعض على أن انهيار الحصار الإسرائيلي لغزة بهذه الطريقة «الثورية» يصلح ليكون إشارة قوية لانتهاء حقبة من الصراع العربي الصهيوني والدخول في حقبة جديدة، صحيح أن وسائل إعلام غربية ـ وليست عربية ـ ومنها الأوبزيرفر البريطانية اعتبرت انهيار جدار غزة قبل أيام حدثا «يغير خارطة الشرق الأوسط للأبد»، وأن الآثار البعيدة المدى لما سموه «تسونامي غزة» ستطال العديد من الرؤى والأفكار التي تحكم خارطة المنطقة بشكل أو بآخر. بعضنا فرح لهذا التصنيف، والبعض الآخر اعتبره مبالغة كبيرة، حتى ولو كان انهيار الحصار بهذه الطريقة، أسس لبادرة غير مسبوقة في الواقع السياسي العربي. وجاء تجاوزاً لفرضيات القوة التي تعتمدها السياسة العبرية، وقفزاً على واقع عربي للأسف لم يستطع أن يقدم شيئاً، خاصة وأن سقوط ما اعتبر «باستيل غزة» مثل حجراً حرك مياه الوعي العربي بشدة، إذ أفاق العرب ـ ومعهم الإسرائيليون ـ على مشاهد الجياع وهم يتخطون الأسوار، وأن من أسقط الحدود وكسر الحصار ليس الضغوط الدولية، ولا مجلس الأمن، ولا أي قوة دولية أو عربية، لكن شعب ذاق مرارة العزلة والخنق والتضييق والموت البطيء. نعلم أن هناك الكثير من السياسات الخاطئة، وهذه مصيبتنا في العالم العربي، ونعلم أيضاً أن هناك أخطاء وخطايا عديدة خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأكثرها من الفلسطينيين أنفسهم الذي أضاعوا بوصلة نضالهم طمعاً في كرسي حكم، لكن ربما يمكن أن تكون الاستفادة الوحيدة مما جرى، هي إعادة الاعتبار للذاكرة العربية التي همشت طويلاً بفعل مشاهد القتل والاغتيال والدم، حتى أدمنتها، صار الدرس الأهم هو أن الدولة العبرية لم تعد «فزاعة» المنطقة أو البعبع، درس انسحابها الأحادي من جنوب لبنان لا يزال ماثلاً، ودرس هزيمتها في الحرب الأخيرة ضرب الإسرائيليين في مقتل، وانسحابها الأحادي من غزة أبطل شرعيتها المزعومة، وذهولها من التحرك على الحدود أكمل ضربات المطرقة. ومع ذلك يبقى ما خفي من كل ذلك، وهو إرادة الشعوب إذا أرادت الحياة، هذا يكفي.