تحرص المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ على بناء أفضل العلاقات مع كافة دول العالم، ولعل الاستراتيجية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تشدد على التعامل الجاد، وقيام تفاهمات عملية تنحو إلى المشاركة الفعلية في التواصل مع الشعوب والقيادات بمختلف تياراتها واتجاهاتها واقتصادياتها.. وفي هذا الإطار، تأتي زيارة سمو ولي العهد المقررة غداً إلى جمهورية روسيا الاتحادية، التي تعزز مسيرة طويلة من العلاقات بدأت فعلياً قبل 81 عاماً، وإن كانت تعود إلى عام 1879م حينما افتتحت روسيا القيصرية قنصلية لها في الحجاز. ولن ينسى التاريخ أن الاتحاد السوفيتي السابق كان أول دولة تعترف بكيان المملكة العربية السعودية الحديث في عام 1926م بعد سيطرة الملك عبد العزيز على الحجاز، لتبدأ بعدها مرحلة مهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين تحديداً. وتأتي زيارة الأمير سلطان بعد أربعة أعوام تقريباً من زيارة تاريخية قام بها خادم الحرمين الشريفين لموسكو (في سبتمبر 2003م) كأرفع مسؤول سعودي يزور روسيا على مدى تاريخ علاقات البلدين ، استطاع فيها المليك وضع أسس جديدة لما يمكن تسميته العلاقات مع الشرق والغرب، وقد جاءت زيارة سمو ولي العهد لموسكو في توقيت مهم جداً للساحة العالمية وما يكتنفها من تجاذبات، وربما لن نكون مبالغين إذا قلنا إنها تكرس الانطلاقة التي رسخها خادم الحرمين الشريفين في موسكو، واستطاع من خلالها تغيير بعض المفاهيم التي كانت سائدة من خلال التقسيمات الفكرية والاقتصادية للعالم. العلاقات السعودية الروسية نجحت فيما عجزت عنه علاقات أخرى، إذ اختصرت الزمن باتجاه المستقبل الثنائي من خلال اتجاهات متوازنة ومتوازية، تعتبر في الأساس قواسم مشتركة يمكن التعويل عليها بجدية بين البلدين، ليتحول بعدها كثير من معوقات الماضي إلى مقدمات أساسية للتعاون المستقبلي بينهما. لقد أدركت المملكة أن روسيا أوسع من ميدانها الإسلامي في علاقاتها مع المملكة، وأهمية الدور الروسي في سياق الأحداث الدولية والإقليمية المتأزمة في محاولة لايجاد نوع من التوازن النوعي في التأثير على الأحداث الراهنة ومعالجتها، وروسيا بدورها شهدت ثبات الموقف السعودي ووضوحه في مختلف القضايا، وثقل هذا الموقف في إحداث نوع من التهدئة وتوفير الآفاق المتزنة في التعامل مع القضايا الإقليمية.. وهذا الإدراك هو ما يضفي على المشهد السياسي عقلانية سياسية ومصلحة للشعبين الصديقين.