لا شك أن تطور التجارة الدولية يمكن أن يؤثر سلبيا إذا كانت المعايير التى تتبناها البلدان لحماية حقوق الملكية الفكرية تتباين من بلد لآخر بصورة كبيرة وفضلا عن ذلك فإن التنفيذ المتراخي وغير الفعال لهذه الحقوق يمكن أن يشجع تجارة السلع المقلّدة ويشجع القرصنة التجارية ،وبذلك تتضرر المصالح التجارية المشروعة للمصنعين الذين يمتلكون مثل هذه الحقوق ،ولذلك فإن الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية( تريبس) فى جولة أوروغواي معايير الحد الأدنى لحماية حقوق الملكية الفكرية إلى جانب الإجراءات اللازمة وضمان تنفيذها وقد وضعت آلية للمشاورات والمراقبة على مستوى دولي لضمان احترام هذه المعايير من جانب البلدان الأعضاء على المستوى الوطنى0
واستند هيكل الاتفاق إلى الاتفاقيات الدولية القائمة التي تعالج حقوق الملكية الفكرية وتنطبق أحكام الاتفاق على حقوق الملكية الفكرية وهى:
براءات الاختراعات0
حقوق المؤلف والحقوق المرتبطة بها0
العلامات التجارية0
النماذج الصناعية0
مخططات التصاميم للدوائر المتكاملة0
المعلومات السرية0
المؤشرات الجغرافية0
ومن أجل ضمان عدم تعسف مالكي براءات الاختراع فى استغلال الحصص الحصرية المخوّلة لهم تخضع هذه الحقوق لعدد من القيود والاستثناءات التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح المشروعة لكل من أصحاب الحقوق والمستفيدين من الملكية الفكرية0
كما وضع الاتفاق كذلك الإجراءات المتعلقة بالمشاورات بين الحكومات عندما يشك طرف ما في أن ممارسات الترخيص أو شروطه من قبل بلد عضو آخر تشكل انتهاكا للاتفاق أو أن لها تأثيرا سلبيا على المنافسة0
كما نص الاتفاق على فترة انتقالية مدتها خمس سنوات انتهت فى يناير عام 2000 للبلدان النامية لوضع تشريعاتها الخاصة بحقوق الملكية الفكرية وفقا لأحكام الاتفاق0 أما بالنسبة لأقل البلدان نموا فتكون الفترة الانتقالية لمدة 11 سنة أي بنهاية العام الماضي0
ويجري الآن استعراض الأحكام التي جاءت فى الاتفاق عن الاختراعات النباتية وأصناف النباتات ،وذلك وفقا للأحكام الخاصة بهذا الاستعراض ،كما أن الاتفاق ينص على استعراض جميع أحكامه0
الانعكاسات على التجارة الدولية
ونظرا لأن أدوات الملكية الفكرية تتمثل فيما يبدعه العقل أي الفكر البشري فقد سميت ( الملكية الفكرية).
وتشمل هذه الحقوق الفكرية على حقوق المؤلف والبراءات والنماذج الصناعية وتتعلق حقوق المؤلف بحقوق الإبداع الادبي والعلمي والأعمال الفنية ،في حين تمنح البراءات حقوقا حصرية للمخترعين ،ولكن الاختراعات لا يمكن تسجيلها في براءة إلا إذا كانت جديدة وغير معروفة وقابلة للاستغلال الصناعي أما النماذج الصناعية فتتمثل فى الابتكارات الفنية الجديدة أو الأصلية التي تحدد المظهر الجمالي للمنتوجات الصناعية وتظل هذه الحقوق الثلاثة قائمة لمدد محددة0
وتشتمل الملكية الفكرية على العلامات التجارية وعلامات الخدمة ودلالات المنشأ ( أو المؤشرات الجغرافية) ،وفيما يختص بحقوق الملكية هذه فإن جانب الإبداع الذهني موجود فيها إلا أنه أقل بروزا ،ومع هذا تمنح الحماية للعلامات التجارية والعلامات الأخرى لتمكين المصنّعين من تمييز منتوجاتهم أو خدماتهم عن بعضهم البعض وتساعد العلامات التجارية المصنّعين على ضمان ولاء عملائهم ،كما تساعد المستهلكين كذلك على تحديد خياراتهم على أساس المعلومات التي يقدمها المصنعون بشأن جودة المنتوج0
ومما لا شك فيه أن كل استعمال بدون ترخيص للملكية الفكرية يكون انتهاكا لحق المالك، وقد كان لمثل هذه الانتهاكات والاعتداءات قبل العقدين الماضيين آثار كبيرة على التجارة المحلية، كما أن المشاكل التى أثارتها كانت مشاكل على المستوى الوطني بشكل رئيسي، وأثرت سلبا على مصالح مالكي هذه الحقوق وأعاقت التقدم العلمي وتطور الحياة الثقافية0
وفى الآونة الأخيرة فقد نما وعي متزايد بأن المعايير التي تبنتها البلدان لحماية حقوق الملكية الفكرية ومدى فعالية إنفاذ هذه الحقوق كانت تؤثر فى نمو التجارة الدولية ،ويعزى هذا التطور إلى أسباب عديدة نورد منها ثلاثة أسباب جديرة بالذكر في هذا السياق:
أولا: إن النشاط الإقتصادي قد أصبح عالي الكثافة في البحث والتطوير التقني في معظم البلدان الصناعية ونتيجة لذلك فإن منتوجاتها التصديرية التقليدية( المواد الكيمائية والأسمدة والمواد الصيدلانية) والأجهزة الحديثة نسبيا( أجهزة الاتصالات والحاسوب والتلفزيونات والفيديو) أصبحت تحتوى حاليا على مدخلات عالية التقنية ومدخلات إبداعية هى جزء من حقوق الملكية الفكرية ،وقد أصبح المصنعون حريصين على ضمان حماية حقوقهم حماية وافية فى كل مكان تصل إليه منتوجاتهم ليتسنى لهم استرداد نفقات البحث والتطوير0
ثانيا: مع إزالة القيود على الاستثمار الأجنبي من جانب عدد كبير من البلدان النامية ستتاح فرص جديدة في هذه البلدان متمثلة فى تصنيع سلع محمية ببراءات اختراع بموجب عقود الترخيص أو المشاريع المشتركة ،ومما تجدر الإشارة إليه الى أن اتجاه المؤسسات الصناعية في البلدان الصناعية للدخول فى مثل هذه الترتيبات وتسهيل نقل التكنولوجيا يعتمد على مدى الحماية التي يوفرها نظام الملكية الفكرية في البلدان المضيفة للتقنية وعدم تعريضها للاستغلال من قبل الشركاء المحليين بأساليب الهندسة العكسية0
ثالثا: من المعلوم أن التحسينات التقنية التي طرأت على المنتوجات التي تعرض للتجارة الدولية قد صاحبها تقدم تكنولوجي أدى إلى جعل النسخ والتقليد بسيطا ورخيصا وفي البلدان التي لا تطبق فيها قوانين حقوق الملكية الفكرية بصورة صارمة أدى ذلك ،كما يظهر فى الإطار رقم 46 إلى ازدياد إنتاج السلع المقلدة وإلى القرصنة التجارية ليس فقط من أجل البيع في الأسواق المحلية بل لأغرض التصدير0
خلفية المفاوضات على حقوق الملكية الفكرية
ومنذ بداية المفاوضات فى جولة طوكيو تقدمت البلدان المتقدمة باقتراحات ترمي إلى اتخاذ إجراء من جانب الجات لوضع التجارة فى السلع المقلدة والمقرصنة تحت السيطرة وعندما عقدت جولة أوروغواي اقترحت هذه البلدان ضرورة تغطية تجارة السلع المقلدة في المفاوضات وفي الوقت ذاته تطوير معايير الحد الأدنى من الحماية التي ينبغي على البلدان الأعضاء تبنيها ولم تكن البلدان النامية تعارض اتخاذ إجراء بشأن السلع المقلدة الا أنها عارضت في البداية بحث معايير الحد الأدنى وذلك لخوفها من أن مثل هذه المفاوضات تستدعي منه تغيير سياساتها ،فقد كانت هذه السياسات لأسباب تنموية واجتماعية تستثني منتوجات معينة من حمايتها ببراءات اختراع أو كانت تنص على مدة حماية تقل عن 20 سنة وهي المدة التي تمنحها البلدان المتقدمة للاختراعات المتعلقة بمنتوجات مثل المواد الصيدلانية والمواد الكيميائية والأسمدة والمبيدات الحشرية ومبيدات الآفات، كما أن هذه البلدان كانت تخشى من أن يؤدي تبني معايير الحد الأدنى إلى تزايد دفع إتاوات مقابل استخدام التقنية المرخصة وبالتالي ارتفاع أسعار المنتوجات المصنعة بهذا الأسلوب.
ولكن لم يؤخذ بهذه الأفكار، وأدت ضغوط البلدان المتقدمة في النهاية إلى تركيز المفاوضات بشكل أكبر على وضع معايير أساسية وموحدة ترمي إلى توفير مستوى أعلى لحماية حقوق الملكية الفكرية ،ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن موقف كل البلدان المتقدمة والنامية قد تغير مع تقدم سير المفاوضات حتى أصبح بالإمكان التوصل إلى إتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية الذي وضع من بين أمور أخرى المعايير الدنيا لحماية الفئات الرئيسية لحقوق الملكية الفكرية.