DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

حسن حنفي 

حسن حنفي 

حسن حنفي 
أخبار متعلقة
 
إن طريقة تدوين التاريخ في كل حضارة إنما تكشف عن الوعي التاريخي للمؤرخ الذي يكشف بدوره عن وعي الحضارة بذاتها.فالتاريخ هو وعي بالتاريخ، والوعي بالتاريخ هو التاريخ. فالتاريخ ليس الحوليات والسجلات والجداول والإحصائيات، تاريخ الحوادث، فالحوادث لها دلالات، ومسارها يخضع للقانون .والمؤرخ هو الذي يدرك هذه الدلالات ويكتشف هذا القانون. ولكل تاريخ مساره. والمؤرخ هو الذي يعي هذا المسار، وتتحدد المراحل باللحظات الحاسمة في التاريخ، الحوادث الكبرى، المعارك الفاصلة، الانقلابات العسكرية والسياسية، ميلاد القادة العظام أو موتهم. ويتم ذلك عن طريق تحويل التاريخ إلى تجارب حية يعيشها المؤرخ وكأن التاريخ حياته، وكأن حياته هو التاريخ. فلا فرق بين تاريخ العالم والسيرة الذاتية، تاريخ العالم الكبير وتاريخ العالم الصغير بتعبير إخوان الصفا (وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم). يصدق التاريخ عندما يدونه المؤرخ بوعي المؤرخ لمساره.يكون فيه، ولا يضع نفسه في مسار تاريخي آخر ليدون تاريخه الخاص إذ يحدث ذلك أحياناً بسبب الاغتراب الثقافي الذي يؤدي أيضاً إلى الاغتراب التاريخي. فالمؤرخ ابن عصره وزمنه وتاريخه. ولا يعي التاريخ إلا إذا التزم به باعتباره استمراراً لحياته الماضية والمستقبلة. منتمياً إلى شعب. وفرداً في أمة واحدة، ووعيا فرديا يتبلور فيه الوعي الجماعي. فالمؤرخ ليس فقط مدركاً للتاريخ بل هو أيضاً فاعل فيه، وليس فقط منظّراً له بل هو أيضاً عامل وسطه. التاريخ الشامل ولا يصدق التاريخ عندما يدونه المؤرخ بوعي تاريخي آخر، هو الوعي التاريخي الشائع طبقاً للحضارة السائدة في العصر مثل الحضارة الغربية اليوم التي أصبح تاريخها ومراحلها هو تاريخ كل الحضارات الأخري ومراحلها، باسم التاريخ الشامل أو التاريخ الكلي، أو التاريخ الإنساني أو التاريخ الكوني. فترد كل المسارات التاريخية إلى مسار واحد، وتختزل كل الحضارات الإنسانية في حضارة واحدة، حضارة الغالب، فالغلبة تصنع التاريخ. والسلطة هي التي تدونه ضد خصومها ولصالحها. فالتاريخ سلطة الزمان الممتد من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل. والمؤرخ هو الذي يقوم بصياغته وتنميطه حتي يتم توجيه الوعي التاريخي للشعوب طبقاً لتوجهات السلطة السياسية. فالسلطة تصنع التاريخ، والمؤرخ إرادتها النظرية. بداية تاريخ جديد ومن ثم فإن اعتبار ما حدث في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن بداية تاريخ جديد للولايات المتحدة الأمريكية أو للعالم أجمع هو نوع من وضع المؤرخ العربي نفسه في مسار غيره. ربما كان ذلك صحيحاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي ضربت لأول مرة من داخلها، وعلى غيرها تتوقع وبأيسر السبل وأسهلها، ومن دون أقل تكلفة، وبخيال علمي واسع، بعد أن انتظرت العدو من الخارج ومن وراء السحب، تعد نفسها لحرب النجوم وتحمي نفسها بدرع الصواريخ. فالحادي عشر من أيلول (سبتمبر) تاريخ فارق بين من يقف ضد الإرهاب ومع الولايات المتحدة، ومن يقف مع الإرهاب ضد الولايات المتحدة. قبل هذا التاريخ كانت تريد السيطرة على العالم على استحياء، وتحت غطاء منظمة التجارة العالمية، واقتصاد السوق، والعولمة. وبعد هذا التاريخ تسيطر على العالم بالفعل عن طريق الغزو على بعد آلاف الأميال. وتضع قدميها في وسط آسيا. وتؤسس قاعدة عسكرية لها في قازقستان، وتحاصر الصين وروسيا في الجنوب، واليابان وكوريا وهونغ كونغ من الغرب، وماليزيا واندونيسيا من الشمال، والعراق من الشرق، وتستقر على منابع بحر قزوين. وتصنف الدول كلها طبقاً للإرهاب. من معها فهو جزء من التحالف الأمريكي الغربي، ومن لا يدخل في التحالف، فهو مع الإرهاب، وتخطب الدول المهددة ودها خوفاً منها باستثناء العراق. أما بالنسبة لنا فالحادي عشر من أيلول (سبتمبر) هو نتيجة وليس مقدمة، رد فعل وليس فعلاً، معلولاً وليس علة. لقد تعود العرب من قبل على وضع أنفسهم في مسار غيرهم حتي اغتربوا عن تاريخهم، وخرجوا على مسارهم، وعاشوا في المسار التاريخي للعدو الذي يحاربونه وهو الغرب الاستعماري. يأخذون منظوره، ويتبنون رؤيته للتاريخ. والأمثلة على ذلك كثيرة. حضارة عربية اسلامية فنحن ننتسب إلى حضارة عربية إسلامية منذ خمسة عشر قرناً. بدأت بتاريخ الهجرة. وقبلها كان التاريخ بعام الفيل أو بغيره من الأحداث الكبري في شبه الجزيرة العربية مثل حلف الفضول. ثم جاءت الهجرة، واقترح عمر بن الخطاب تدوين التاريخ الإسلامي بها نظراً لأنها بداية النصر من مكة إلى المدينة، على الرغم من اجتهاد بعض القادة المعاصرين بجعلها مولد الرسول، تحولاً من الرسالة إلى الشخص، وأسوة بالتاريخ الميلادي المسيحي بمولد السيد المسيح على الرغم من الاختلاف النظري بين الاثنين، إنسانية محمد الذي كان رجلاً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ومعجزة السيد المسيح (كلمة الله وروح منه). ثم قبلنا وضع تاريخنا في مسار التاريخ الغربي، من القديم اليوناني الروماني إلى الوسيط اليهودي المسيحي إلى الحديث العقلاني العلمي. وأصبحنا طبقاً لهذا التحقيب الغربي في العصر الوسيط اليهودي المسيحي. وتم تعميم كل الأحكام التي صدرت على العصر الوسيط على حضارتنا الإسلامية مع أنها ليست في العصر الوسيط تنطبق علىها أحكامه بأنها المرحلة المظلمة الدينية الكهنوتية التسلطية التابعة للفلسفة القديمة اليونانية والرومانية. في حين أن الحضارة الإسلامية لها مسارها الخاص، العصر الذهبي الأول الذي نشأ وتطور وبلغ الذروة في أواخر القرنين الثالث والرابع الهجري قبل أن تخبو منذ القرن الخامس بعد قضاء الغزالي على العلوم العقلية وتجريم المعارضة وتأييد السلطان والقول بالشوكة من دون البيعــــة، ثم تبدأ في الأفول في القرنين السادس والسابع الهجريين وهي المرحلة التي أرخ لها ابن خلدون. وهي تقابل العصر الوسيط الأوروبي. وشتان ما بين المسارين، المسار الإسلامي حيث قامت الحضارة على العقل والعلم وحقوق الإنسان كما تمثلتها مقاصد الشريعة، والتعددية الفكرية والسياسية كما ظهرت في مختلف الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية والتيارات الفلسفية والطرق الصوفية ومدارس التفسير بالأثر أو بالرأي. أما العصر الحديث في الغرب فهو الذي يقابل لدينا عصــــر الشروح والملخصات، العصر المملوكي العثماني، عصر التدوين الثاني اعتماداً على الذاكرة مــن دون العقل، وعلى النقل من الداخل من دون الإبداع، وعلى اجترار الماضي من دون التفاعل مع الحاضر أو الإعداد للمستقبل. وقــــد أوشكت هذه المرحلة على الانتهاء ببداية حركات الإصلاح الديني منذ أكثر من قرن ونصف قرن من الزمان على الرغم من تعثرها، وظهور الاستقطاب الحاـــلي بين السلفية والعلمانية، وهو ما أراد الإصلاح تجاوزه فــــــي حركات التجديد الإسلامي.كما أوشكت العصور الحديثة في الغرب على الانتهاء بظهور التيارات العدمية وما بعد الحداثة والتفكيكية ومقالات أفــــــول الغرب وأزمة العلوم الأوروبية، وبرودة الدافع الحيوي، وقلب القيم. ويحدث الشيء نفسه عندما يقال اكتشاف العالم الجديد أي أمريكا في 1542وكأن نصف الكرة الغربي لم يوجد قبل وصول الرجل الأبيض، مع أنها من منظور هندي القضاء على السكان الأصليين واستئصالهم، وخطف الأفريقيين من غرب أفريقيا عبر الأطلنطي واستعبادهم لتعمير الأرض في الزراعة وشق الطرق. وهو بالنسبة لنا سقوط غرناطة ونهاية الحكم الإسلامي في الأندلس في 898هـ 994م، بعد وفاة الشاطبي صاحب الموافقات بما يزيد على القرن عام 790هـ . بداية حركات التحرر الوطني ويقال الحرب العالمية الأولى 1914 ــ 1918 وهي بالنسبة لنا هزيمة الدولة العثمانية وتقطيع العالم الإسلامي إلى أجزاء توزع على الدول الغربية المنتصرة. وما يســمي بالحرب العالمية الثانية 1939 ــ 1945 هي بدايات حركات التحرر الوطني في البلاد المستعمرة، والقضاء على الاستعمار الأوروبي. وما يسمى عصر العولمة هو بالنسبة لنا عصر ضعف الدولة الوطنية وريثة حركات التحرر الوطني، الدولة التابعة أو الدولة الرخوة التي سهل ابتلاعها من جديد في نهاية عصر الاستقطاب وبداية العالم ذي القطب الواحد.  الزمان العراقية