هل صحيح ما يقال من ان تاريخنا مجرد حروب عشائر، وأنّ حضارتنا مجرد رحلة أخروية، وأنّ مساهمتنا في التاريخ البشري ليست إلا مساهمة المترجمين والنقلة؟ لعل القائلين بذلك يريدون إقناعنا بتفاهة تاريخنا وهامشيته وعدم حضوره، من خلال حملة نفسية في المقام الأول، هدفها استثمار الواقع السيء للأمة العربية في الظرف التاريخي الراهن وتقديمه على أنه "خلاصة" أمة بالكامل. ربما نكون نحن أذنبنا في حق تاريخنا، وربما يكون هناك منا من ساهم عن عمدٍ أو بغير قصد، في أن نصل لما نحن عليه الآن، وربما تكالبت الظروف بشكل غير مبرر لتتعرض هذه الأمة إلى أبشع استغلال استعماري، ساهم في تدمير الفكر العربي في صميم خياراته، وتقسيمه إلى معسكرات وحزبيات وأيديولوجيات، أدت لما نشهده الآن حتى داخل الدولة القطرية الواحدة، وليتحول الوضع منذ بداية القرن التاسع عشر إلى أيديولوجيا فكرية لا تعتمد على قوة الحديد والنار فقط، بل استخدمت المنهج الفكري أيضاً وهو الأخطر لنعيش ـ حتى اللحظة ـ داخل منظومة حكم "مؤبد" لا نضمن الخروج منه حتى بانتهاء نصف المدة، أو بضمان حسن السير والسلوك. مراجعة واحدة لما عم العالم العربي في نصف قرن فقط، تدعم فكرة العقاب الجماعي، وأن المقصود أصبح واضحاً، وهو تحويل المنطقة لمقبرة جماعية، تضم رفات كل شيء، التاريخ، حقائق الجغرافيا، الحلم القديم، حتى المثل الدينية التي تكرسها الأديان السماوية، يمكن استلهامها فقط عند ممارسة شعائر الدفن، أما الباقي فيخضع بالتأكيد لتفسيرات وإرادات اليمين المتطرف، والأصولية المتطرفة التي تشارك في وأد أفكار التعايش والحوار والتسامح إلى غير رجعة. صحيح إن "الهزيمة لا تأتى دفعة واحدة، والعَالَم لا يعترف للمهزوم حتى بممتلكاته الروحية والوجدانية"، وهذا بالذات ما يدفع المنطقة لمزيد من التطرف وهي ترى توابع الأعاصير المستمرة، منذ النكبة، والنكسة وغزو لبنان، وغزو الكويت، وغزو العراق، وأزمة دارفور وحرب الصومال واغتيالات لبنان، وغيرها مما هو متوقع أو مجهول، كل ذلك يعني أن العرب يعيشون في ظل أكبر مظلمة تاريخية، بعضها بيد الغير، ومعظمها من صنع أيديهم وهذه هي المفارقة المخجلة المستمرة إلى حين.