انتشرت ظاهرة تكفير البعض من البعض رغم خطورتها والشروط التي يسير عليها علماء المسلمين من عصر الصحابة والتابعين الى الان وكان ذلك دافعا لطرح بعض هذه الشروط ليفهم الناس ماهو الشرط الاول من شروط التكفير. العلم ويقابله من الموانع الجهل ويدل لهذا الشرط قوله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
وجه الدلالة: ان الله تعالى رتب الوعيد على من تبين له الامر ـ أي علم ـ فدل ذلك على ان من لم يعلم لم يلحقه الوعيد لقوله (من بعد ما تبين له الهدى) فجعل الله تعالى الوعيد معلقا بمن تبين له الهدى أي علم فدل على ان الجاهل لا يلحقه الوعيد في الاية.
ومن السنة ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابي سعيد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كان فيمن قبلكم رجل اسرف على نفسه بالمعاصي فلما جاءته الوفاة جمع اولاده ثم قال: أي اب كنت لكم؟ قالوا: نعم الوالد فقال: اذا انا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الماء والهواء فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه احد من العالمين فلما مات فعل اولاده ما اوصاهم به فقال الله عز وجل لذراته كوني فلانا فكانت فقال الله له يا عبدي ما حملك على ذلك؟ قال خشيتك يا رب قال فاني قد غفرت لك. قال ابن تيمية رحمه الله: ان هذا الرجل شك في قدرة الله او جوز انه لا يعود وكلاهما كفر لكن الله عز وجل غفر له بجهله.
تنبيهات مهمة:
1 ـ ان هذه المسألة وهي العذر بالجهل حينما يقع المسلم في ناقض من نواقض الاسلام اتفق عليه علماؤنا في الجملة على ان الجهل مانع من موانع التكفير.
واختلفوا في المسلم الذي يقع في الشرك في عبادة غير الله جهلا منه هل يعذر ام لا؟
فلابد ان يعرف ان هذه المسألة وقع فيها الخلاف بين علمائنا بل ان الشيخ محمد بن عبدالوهاب له كلام يدل ظاهرا في عدم العذر وله كلام ظاهر بين في العذر وقد اختلف اهل العلم في تخريج كلام الشيخ رحمه الله.
2 ـ ان هذه المسألة من المسائل التي لا يسوغ فيها التبديع ولا التضليل لانها من المسائل الاجتهادية وقد ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله كما نقل عنه صاحب كتاب (سعة رحمة رب العالمين) انه قال ان هذه المسألة من المسائل الاجتهادية التي وقع فيها الخلاف بين اهل السنة.
الشروط الثاني: القصد ويقابله من الموانع الخطأ، عرف ابن سعدي رحمه الله في تفسيره الخطأ بتعريف بديع لطيف فقال عند قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا) والخطأ ان يقصد الانسان الى الشيء الذي يجوز له فيقع فعله على شيء لا يجوز له مثال ذلك: الانسان اذا دخل بيته ووجد الاضاءة لا تعمل فوطأ المصحف لهذا اخطأ فهو فعل شيء يجوز له فعله وهو (المشي) فوقع من فعله على شيء لا يجوز له وهو (وطء المصحف) ويدل لهذا الشرط قوله تعالى في آخر سورة البقرة (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا) روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان الله تعالى قال عند هذه الآاية قد (فعلت) وفي حديث ابو هريرة رضي الله عنه ان الله قال: نعم. ومن السنة ما رواه مسلم من حديث انس رضي الله عنه في قصة الرجل الذي اضل دابته في الصحراء وقال حين وجدها: اللهم انت عبدي وانا ربك اخطأ من شدة الفرح.
الشرط الثالث: الاختيار ويقابله من الموانع الاكراه، يدل لهذا الشرط سبب نزول قوله تعالى (من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا) فهذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه لما اكرهه المشركون على سب الرسول فلما اطلقوه جاء الى النبي وقال يا رسول الله هلكت فقال: وما ذاك؟ قال انهم ما زالوا بي حتى نلت منك أي خرجت مني كلمة في سب النبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك؟ قال اجده مطمئنا بالايمان فقال الرسول ان عاود فعد فدل ان المكره ان قال او فعل الكفر فانه لا يكفر وانما الذي يكفر هو المختار لقول او فعل الكفر.
الشرط الرابع: عم التاويل السائغ ـ ويقابله من الموانع التأويل السائغ، وقد ذكر بن تيمية دليلا على هذا الشرط: ذكر اجماع الصحابة رضي الله عنهم في عدم تكفير قدامه بن مظعون رضي الله عنه حينما استحل الخمر في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استحلها متأولا قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا) فهم من الآية ان الانسان اذا امن بالله عز وجل واتقى الله في سائر الاوامر والنواهي انه يجوز له ان يأكل ويشرب ما شاء فقدامة رضي الله عنه استحل شرب الخمر واستحلال الحرام كما سياتي كفر بلا خلاف وقدامة من السابقين الى الاسلام فهو من اهل بدر فليس هو حديث عهد باسلام ولم يكن في مكان لا يصله العلم كبادية او فلاة من ارض وانما كان في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك النبي وعلماء الصحابة ومع ذلك فعمر رضي الله عنه قدر ان هذا التأويل سائغ لانه لم يقم على قدامة ومن معه احكام الردة او امرهم بتجديد الاسلام او عاملهم معاملة الكفار بل انه لما تلا على عمر هذه آلاية قال عمر: لو اتقيت الله لاجتنبت ما حرم عليك ثم خرج عمر الى الناس فقال: اشيروا علي ثم جلدهم رضي الله عنه. فهذه اربعة شروط لابد ان تتوافر في الشخص المعين لتكفيره فهي العلم، القصد، الاختيار، عدم التاويل السائغ ويقابلها اربعة موانع تمنع من تكفير الشخص المعين وهي: الجهل، الخطأ, الاكراه، التأويل السائغ. نسأل الله العلي القدير الاخلاص في القول والعمل وان يدل المسلمين الى الحق والصواب انه ولي ذلك والقادر عليه.
