DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

د.خالد بن سعود الحليبي

د.خالد بن سعود الحليبي

د.خالد بن سعود الحليبي
 د.خالد بن سعود الحليبي
أخبار متعلقة
 
شعور مريض، وخلق كريه، وداء دوي، وحركة قوية في النفس، تعصف بكيانها، وتشعل دماءها، وتظل تغلي حتى تودي بصاحبها. لله در الحسد ما أعدله بـدأ بصاحبه فقتله إنه داء منصف، يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود. لأنه كما قال الإمام علي رضي الله عنه: ((مغتاظ على من لا ذنب له)). ولن تجد مثل الحسد في كثرته، وانتشاره، وبؤس أصحابه، وديمومته وإزمانه: إذا حل في قلب فليس يزول سوى وجع الحساد داو فإنه أول جريمة ارتكبت على وجه الأرض وهي قتل ابن آدم لأخيه حسدا له على تقبل الله تعالى قربانه؛.. فبعد التذكير والعظة والمسالمة والتحذير، اندفعت النفس الشريرة فوقعت الجريمة، وقعت وقد ذللت النفس لصاحبها كل عقبة، وطوعت له كل مانع، طوعت له نفسه القتل .. وقتل من قتل أخاه، وحُق النذير {فأصبح من الخاسرين} ، خسر نفسه فأوردها موارد الهلاك، وخسر أخاه ففقد الناصر والرفيق، وخسر دنياه فما تهنأ للقاتل حياة، وخسر آخرته فباء بإثمه الأول والأخير. يقول الفقيه أبو الليث السمرقندي: ((يصل الحاسد خمس عقوبات، قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولها: غم لا ينقطع، وثانيها: مصيبة لا يؤجر عليها، وثالثها: مذمة لا يحمد عليها، ورابعها: سخط الرب، وخامسها: يغلق عنه باب التوفيق)). ولم يجد الحاسد معلما إلا الغراب؛ ليريه كيف يدفن أخاه، وتصوَّرْ كيف أصبح الغراب أستاذا لهذا القاتل الحاسد ، حتى أصبح من النادمين، بعد أن رأى أنه لم ينتفع بقتله، بل نال سخط والديه وإخوته، فكان ندمه لأجل هذه الأسباب، لا لكونه معصية، فلم يكن ندمه ندم توبة ، فلم ينفعه ندمه. إن الحسد داء قديم في البشر، بل قيل: هو بعض ما يحمله الإنسان في أصل خلقته، و((لا يخلو جسد من حسد، فالكريم يخفيه، واللئيم يبديه))، وإنما يقمع أو يستأصل من النفس بالإيمان العميق وبالعلم الشرعي. الحسد كراهية أن تكون هذه النعمة عند هذا الإنسان، وحب زوالها عن المنعم عليه بالكلية، والذي قد يتطور إلى السعي الحثيث في إزالتها؛ حتى تصبح من أكبر أهداف حياته، فتنغص عيشه، وتشغله عن أن تكون لحياته قيمة، وقد قيل ((راحة الحاسد في زوال نعمة المحسود)). فيظل يعمل على إيقاع الشر بالمحسود، فيتتبع مساوئه، ويطلب عثراته. والحسد بين أصحاب لوصف لمعين أقرب وأشد، فأصحاب المهنة الواحدة أقرب إلى الحسد من أصحاب المهن المتباعدة ، وأصحاب المدينة الواحدة أقرب من الغرباء بعضهم مع بعض، والأقرباء أكثر تحاسدا من غيرهم ، بل حتى العلماء الذين يجمعهم تخصص واحد ، أو اهتمام واحد هم أقرب من غيرهم إلى التحاسد من غيرهم . ولذا يحذر من قبول قول بعضهم في بعض . ووجود الحسد دليل النعمة، فكلما كثرت نعم الله عليك كثر حسادك، ألم تر كيف أن الله تعالى ربط بينهما في قوله جل وعز: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}. فلا تعجب إذا زاد حسادك بقدر زيادة نعمك، وبقدر ارتفاع نجمك، فـ((الناس يحسدون العظيم في حياته، ولكنهم يمدحونه بعد وفاته))؛ كما يقول ميمرموس. نعم النجاح أصبح عند بعض الناس ((خطيئة يرتكبها المرء بحسن نية، ومع ذلك لا يغتفرها له زملاؤه)). هذا في ظل عشرات النصوص الشرعية التي تحذر من الحسد وتبغضه للنفس المؤمنة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا)) [رواه البخاري]. ولكن ليس على المحسود أن يغلق على نفسه أبواب النعم، ولا أن يحرم نفسه من ثمراتها، بل يتنعم بما أولاه الله تعالى شاكرا حامدا المنعم، في الوقت الذي ينظر بشفقة إلى الحاسد رحمة بما ألم بقلبه من جراح؛ متمنيا له الشفاء العاجل؛ فإن ((صحة الجسد في قلة الحسد)) ، و((يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك)). نعم أيها المحسود ((الشجرة المثمرة ترمى بالحجارة، والعقيمة تبقى سليمة))، وكلما ارتفع الإنسان تكاثفت حوله الغيوم والمحن))، وكما قال سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ : ((من عرف نفسه لم يضره ما قال الناس عنه))، واعلم بأن ((عظمة عقلك تخلق لك الحساد، وعظمة قلبك تخلق لك الأصدقاء)). [email protected]