اختتمت يوم السبت الماضي في الرباط ندوة (الرواية التونسية : الكتابة والتخييل) التي نظمها مختبر السرديات بالتنسيق مع مركز الرواية العربية بتونس واتحاد كتاب المغرب بالجديدة، واستمرت يومين.
تناول الناقد العربي الذهبي موضوع (البناء الرمزي والأنماط الخيالية في رواية المستلبس لنور الدين العلوي) موضحا إن الصور الروائية فيها لا تنغلق إلا لتتراكب مع بعضها ولتفتح بداية لما يليها من تفصيلات حدثية موجهة لتمييز وجه من الوجوه المتضاعفة بقصد تحقيق نمط سردي جزئي يندرج ضمن إحدى دوائر شخصية أحمد العروس باعتباره النمط الرمزي الجامع المحرك للرؤية الروائية والبطل الوحيد الذي يستقطب كل الأحداث لكن بدون فعل بطولي . ويضيف الباحث إننا أمام شخصية مركبة متعددة القيم والأوصاف يضيئها الخطاب الروائي عبر آلية التسجيل والتقرير الخارجي للسارد وتتنامى بالاستغراق الحواري الذاتي المسهب في التفصيل. وبذلك تتقاطب الدلالات لترسم أنماطا اجتماعية ووضعيات نفسية ومجازات ثقافية كبرى. وتعرض الناقد نور الدين صدوق لتجربتي الحبيب السالمي في «أوراق عبد الله» ومحمد علي اليوسفي في «دانتيلا».. وأكد إن التركيز على النص الروائي التونسي في التجربتين، يتأسس على كتابة الحكاية، وليس حكاية الكتابة، ولئن كان ملمح التجريب يطبع نص «اليوسفي». وحلل الناقد عبد الفتاح الحجمري رواية «مرافئ الجليد» لمحمد الجابلي مبينا كثرة التصنيفات التي ألصقت بها ليخلص إلى أنها رواية فكرية اهتمت بالعالم الملتبس وانتفاء صفة البطولة . كما توقف الباحث عند الأبعاد الفكرية للرواية على صعيد علاقة المعنى بالشكل الفني، مشيرا إلى صلته بمختلف المواقف التي تعبر عنها الشخصيات في بحثها عن هوية أضحت مفتقدة بافتقاد الوطن نفسه.
وركز الباحث بوشعيب الساوريعلى تقطيع السرد في رواية «وجهان لجثة واحدة» للأزهر الصحراوي، موضحا إن التقطيع السردي من المداخل القرائية الإجرائية والفعالة التي تضعها أمامنا الرواية, والتقطيع السردي واحد من السمات التجريبية في الأساس، تحاول التمرد على السرد الخطي التقليدي. لكن هذا التوجه الفني الخاص لا يتميز بفراغات، وإنما يفضي في النهاية إلى تكامل الأجزاء والمقاطع، التي يلزمنا إعادة ترتيبها لبناء الحكاية.
وسعى الناقد الحبيب الدائم ربي إلى توصيف تجربة إبراهيم درغوتي الروائية، من خلال نصين هما : «أسرار صاحب الستر» و «ماوراء السراب قليلا»، بالوقوف على السند التاريخي الذي يرفد المتون الحكائية لدى الكاتب وما يطاول هذا التاريخ من تغريب وأسطرة في تساوق مع بناء يتوسل بالمحكي التراثي ويعيد إنتاج لغة المصنفات العربية القديمة .. للخلوص إلى كون استيحاء التراث متنا ولغة ومبنى أحد الرهانات التي يخوضها درغوتي في تشييد جل عوالمه الروائية التي تستعير أقنعة الماضي لفضح مفارقات الحاضر.
وقدم الباحث أحمد بلاطي ورقة بعنوان ( بنية المتخيل في «حدث أبو هريرة قال…» لمحمود المسعدي) مؤكدا إن الحديث عن المتخيل حديث خصب، خصوصا في رواية «حدث أبو هريرة قال…» التي تميزت بطابعها الإشكالي؛ إذ أثارت أسئلة كثيرة لكن الاكتفاء بالقول : إن الرواية استلهمت التراث العربي الإسلامي دون تفسير الكيفية التي تم بها ذلك أو شرحها يعتبر عملا ناقصا، ذلك ما حاولت هذه المداخلة تجاوزه من خلال الوقوف على كيفية بناء المسعدي لمتخيله.
وتعرض نور الدين صدوق لرواية «الكرنفال» لمحمد الباردي في مداخلة بعنوان «سرود بصيغة المفرد» أشار فيها إلى أن الرواية تحتفل بالمأساة واللامعنى. أما التيمات فقد شملت انتقاد الرقابة وصورة المرأة والجنون والهجرة وفلسطين .. والكثير من التفاصيل التي تؤثث المشهد الروائي ليخلص إلى أن شخصيات الرواية مأزومة ومهزومة، كما وقف عند إشكالية تجنس الرواية العربية برمتها وقضايا أخرى مرتبطة بالذات والذاكرة وطرائق الحكي وما تستحضره من مرجعيات وتقنيات سردية، خصوصا صيغة ضمير المتكلم الظاهرة التي قد تكون مجرد صوت ضمن صيغ أخرى وبذلك فنحن أمام ضمير أنا منفلتة.
وقدم شعيب حليفي ورقة نقدية عنوانها «سرود النسيان : في سبع صبايا لصلاح الدين بوجاه» قدم مدخلا أوليا لطبيعة القراءة مع رواية سبع صبايا لينتقل إلى تحديدات تهم علاقة الرواية بسرد المنسي من الحياة والتقاطه ليتحول إلى لغة وتذكرات لها قدرة على ايجاد مساحاتها وامتداداتها ولو على مستوى المتخيل.
وختم شعيب مداخلته بالتساؤل التالي: كيف يمكن للرواية ، اليوم، أن تكون أداة للفهم ومراجعة الكثير من المفاهيم والتحققات التي ترتبت عما قررته أشكال تعبيرية كانت سائدة من قبل؟ وجاءت ورقة يوسف مجيدي بعنوان «الموت والبحر والجرذ» لفرج الحوار : نص يحكي سيرته .. وهو نص يشتغل بوعي على نفسه وعلى جسده وعلى لغته... نص يحكي عن تكونه وتخلقه... ولما كان يتخذ من نفسه موضوعا، وقد أسس لهذه المداخلة بالسؤال : ما مفهوم الكتابة كما يتجسد في النص ومن خلال عتباته؟ وعنه تتفرع أسئلة جزئية تتصل باللغة والكاتب وعلاقة الكاتب بالنص وعلاقة النص بالقارئ, ومرجعيات النص ومساراته كما تبدت للباحث من خلال تفاعله مع الرواية بعيدا عن كل نزعة اختزالية أو وثوقية ودون إغفال لطبيعة النص التخييلية.