بغض النظر عن الكيفية التي تم فيها تغيير النظام السياسي في العراق ، وهل كان هذا التغيير للأفضل حسب زعم دول الاحتلال تحت غطاء النظام الديمقراطي في الشرق الأوسط الذي تبنته الولايات المتحدة وتبعتها بعض الدول لتسجيل نفسها ضمن الدول المتقدمة وفرض وجودها على الخارطة السياسية في العالم ، بمعنى ناحية التغيير الديمقراطي والمشاركة فيه لا الفُرجةَ عليه ، أم للأسوأ بعد النتائج المدمرّة التي خلفتها الحرب وراح ضحيتها الشعب العراقي أيضاً مرّة تحت مدافع الاحتلال ومرّة تحت سكاكين الطوائف لا المقاومة الوطنية بالتأكيد .
هذا التغيير الذي حدث هو بالدرجة الأولى هدم للنظام السياسي العربي أياً كان منهجه، هدم القاعدة الأساسية لكل الأنظمة التي لا يوجد بينها نظام واحد ديمقراطي حتماً لا حسب المفهوم الأمريكي للديمقراطية ولا حسب المفهوم الحضاري للديمقراطية وشروطها .
الحضارة التي تُبنى ثقافياً وتتراكم فيها تجارب الشعوب بنتاجها الإنساني الذي قلما أخذت الأنظمة العربية به لتغير من نهجها في التعامل مع شعوبها على أساس العدل والحقّ والحريّة والكرامة .
لعلّ فخرنا التاريخي بالثقافة العربية والإسلامية ينسينا أنها قامت على هامش ما تركه زعماء الأنظمة من خلفاء وملوك ورؤساء ، هامش الموائد وفي أحسن الأحوال هامش العتمة التي اقترفتها الأنظمة في حقّ مؤرخيها وقادتها الحقيقيين ثقافياً ومعرفياً ، وهذه للأسف تأتي ضمن شروط السياسة التي تأكل من الأكتاف من أجل أن تحقّق « فنّ « الممكن وتتحول حسب مفهوم الديمقراطية الشامل إلى حزمة « ذباب « فوق رأس العالم .
هذه إحدى طبائع السياسة التي لن تتغيّر حتى وإن « حلُمنا « بدفعها إلى التغيير إلا أنها ستبقى قائمة على أساساتها هي ، أساساتها التاريخيّة لا الحضارية ، لأنها تعرف أن التاريخ بالنسبة لها شاهد بقاء بينما الحضارة خارج السياق التاريخي يأتي في مقدمتها النتاج الإنساني المتغيّر والمتطوّر ، وهذا مالم يتحقّق حتى الآن ولن يتحقّق مادام التاريخ يعطي بصيغته الحاليّة وصفة البقاء على طبق من ذهب لمختلف الأنظمة العربية .
معظم هذه الدول تتغنّى بأنظمتها الديمقراطية وتمارس أدوارها تحت طاولات الأحزاب بالأحذية والمعتقلات والخطابات المُخدِّرَة وتسيء لدول أخرى حين تحاول وصفها بالدول القمعيّة والشمولية والديكتاتورية.
حتى من خارج السرب العربي الإسلامي يأتي من يتغنّى بالنظام الديمقراطي ليحتلّ بلداً أو يشعل فيه حرباً داخلية للقضاء على آخر رمق حياة فيه .
العلاقات السياسية بين الدول أصبحت علاقات مصالح وهذه مفهومة وسهلة خصوصاً في العلاقات بين بعض الدول العربية ذات المناخ الاقتصادي العالمي بصفتها شرياناً نفطياً وبين دول متقدمة في لعبة السياسة وحرب النجوم والأسلحة النووية ، لكن غير المفهوم أن تتحوّل ديمقراطية الأنظمة إلى فضائح من نوع تغيير الآخرين وأنظمتهم بالحروب !
ما هو مؤكد أن لا الشعوب قادرة على رفض هذا الشكل من الديمقراطية لأنها محكومة بأنظمة سياسية لها شروطها ولا الأنظمة قادرة على الوقوف في وجه محاربي القرن متى ما أرادوا التغيير وانتفت لعبة المصالح .
لأنه النهاية ستكون التجربة السياسية الاقتصادية العسكرية الحضارية هي الفاعل الحقيقي في التغيير وهذا ما ينقص كل الأنظمة العربية .
هدم القاعدة الأساسية للنظام العربي الإسلامي الذي تم باحتلال العراق هو ما سيصبح في السنوات القادمة التاريخ الجديد للمنطقة بأنظمتها ، بمعنى أن الدرس انتهى ولا يهم النتائج التي وصلت لها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق واتضحت معالمها بالخطة الجديدة التي أعلنها الرئيس بوش .
لأن الخطط القادمة لن تكون بيدي بل بيد عمرو ، مادامت الرسالة اتضحت وتم تقويض البناء التاريخي أو الأساس التاريخي للنظام السياسي العربي رغم الاختلافات الشكلية الظاهرة في أول سطر كل نظام على حِدَة.
الغريب في الأمر أن بعض الأخوة العرب يشتمون دولاً بداعي الشتيمة فقط لأنهم بزعمهم أحرارا داخل أنظمتهم بينما الحقيقة تقول أن كل الأنظمة العربية تتساوى في اختلافاتها متى ما هدّدت الديمقراطية شروط بقائها !
لنعتقد جميعاً بأن التاريخ تم تغييره بلعبة سياسية ، تاريخ المنطقة كلّه وأصبحت السياسة في العالم العربي هشّة وقابلة للطيّ ، فقط لأن الدول العظمى تؤسس لديمقراطية جديدة بما أنها تملك القوّة لتغيير العالم وأصبح بالنسبة لها أحد الحقوق التي لا تراعي الإنسان إنما تراعي الملفّ السياسي المعنون بالبقاء حتى لو لم يبق في شرق المتوسط سوى حدود الخرائط كشاهد تاريخيّ على أن شعوباً كانت هنا!.
[email protected]