جاء المعرض الخامس لجماعة (ألوان) للفنون التشكيلية، حاملاً تجارب مختلفة لثلاثة وعشرين فناناً وفنانة بإصرار كبير على الاستمرار, وإقامة المعارض والأنشطة, وزيادة عدد الأعضاء, فالجماعة التي بدأت قبل خمس سنوات بأحد عشر اسماً وصل عددها الآن إلى ستة وعشرين اسماً من مختلف مناطق المملكة, الأمر الذي يطرح سؤالاً حول استمرار عملية التوسع في العضوية, وهل يتفق ذلك مع مفهوم الجماعة التشكيلية من حيث الترابط الفكري تشكيلياً أم لا؟
من المؤكد أن مسألة الترابط أو التوافق الفكري التي تقوم عليها أي جماعة أو مجموعة تشكيلية ليست هي الهاجس الذي يؤرق (ألوان) فالواضح أن بوصلتها تتجه نحو (الكم) من حيث العدد, لكن بغض الطرف عن التوجه الذي يحكم نشاط الجماعة, فإنها تعد إضافة إيجابية في سياق الحراك التشكيلي الذي تشهده المملكة, خصوصاً أن نشاط الجماعات والمجموعات المشابهة التي تجاوزت الثلاثين ما زالت دون فاعلية تذكر إلا لعدد قليل جداً منها, فالمعروف أن الجماعات التشكيلية تقوم في الأساس بهدف ترسيخ مفاهيم فنية معينة, يتضامن حولها عدد من الفنانين والفنانات سعياً إلى فرضها ونشرها وخلق حالة من السجال الذي يثري الساحة ويغنيها, أو على الأقل تكون نواة لتأكيد الانسجام الفني بين مجموعة من التجارب بينها بعض القواسم المشتركة, وهذا ما لم يتحقق لدى أي جماعة أو مجموعة من التكتلات التشكيلية القائمة في مختلف مناطق المملكة, وجماعة (ألوان) هي جزء من تلك المنظومة بالتأكيد, ومن هنا لا يجوز أن نحاكمها على واقع هي لا تمثله كلياً وإن كانت تمثل جزءاً منه, وبالتالي يمكن النظر إلى المعرض الخامس للجماعة على أنه خطوة ناجحة استطاعت (ألوان) من خلاله أن تحافظ على كيانها التشكيلي وتحميه من التفتت والفشل, وتستمر رغم كل المعوقات.
افتتح المعرض الخامس لجماعة (ألوان) رئيس اللجنة الوطنية للسياحة محمد بن إبراهيم المعجل, وافتتحت الأيام النسائية صاحبة السمو الملكي الأميرة موضي بنت خالد بن عبد العزيز الأمين العام لجمعية النهضة النسائية الخيرية, وتنوعت أعمال المعرض بتنوع اتجاهات الفنانين والفنانات المشاركين فيه, فتجاورت المجسمات والأعمال النحتية, مع أعمال التصوير التشكيلي والكولاج, والحروفية, والكاريكاتير, وتعددت الأساليب والخامات والمقاسات والأجيال, والقدرات الفنية أيضا, حيث ضم المعرض تجارب مختلفة لثلاثة وعشرين فناناً وفنانة هم: عبد الجبار اليحيا, عبد الرحمن العجلان, شريفة السديري, سعد العبيد, عبير السويلم, عادل العبيدي, سارة كلكتاوي, أحمد الغامدي, مفرح عسيري, محمد الحمد, وليد الطويرقي, خلود المفرج, طه صبان, عبدالله حماس, أحمد السبت, هزار اليمني, علي البياهي, محمد الفارس, صالح النقيدان, علي الطخيس, حمد المواش, نجلاء السليم, صالح المحيني, وعلى هامش المعرض أقيمت بعض الأنشطة كان منها ورقة للفنان سعد العبيد حول الجماعات التشكيلية في المملكة, ومن المظاهر المميزة التي تبنتها جماعة (ألوان) منذ تأسيسها تكريم أحد أعضائها البارزين كل عام, وفي هذا المعرض كرمت الفنان عبد الرحمن العجلان الذي يعد واحداً من أهم فناني المملكة في هذه المرحلة، ليكون الشخصية الرابعة في هذه السلسلة, وعلى مساحة كبيرة من صالة العرض خصصت الجماعة جناحاً خاصاً لأعمال العجلان ضم عدداً كبيراً من لوحاته ومجسماته على شكل معرض شخصي داخل المعرض الجماعي .
وحول تجربة العجلان يقول الفنان عبد الجبار اليحيا: إن العجلان يجسد لنا موضوعاً من الصعب أن تراه قبل أن يتم نحته, وهذا الإدراك المسبق للموضوع في رحم الحجر دلالة جلية على الحاسة المرهفة في وضوح الفكرة قبل ولادتها, ودليل آخر على أن هذا الفنان صاحب نظرة ثاقبة ومرنة وحنونة في التعامل مع الكتلة الحجرية, فهو يصوغ منحوتاته بأسلوب تجديدي خال من التعقيد.
ويضيف الفنان سعد العبيد: عرفت العجلان مصوراً قبل سنوات طوال, وها هو يؤكد تفوقه مرة أخرى في مجال النحت.
أما الفنان أحمد خوجلي فيرى أن العجلان ليس فناناً حيادياً, لأنه ينحاز إلى تراث أمته, ويعبر عن همومها تارة باللون وأخرى بالكتلة, وقد حقق حضوراً متميزاً ومكانة لائقة بين المبدعين العرب.
ويؤكد الدكتور محمد فضل أن العجلان ولج عالم الفن من أوسع أبوابه, فهو لم يحصر مجال إبداعه في ميدان واحد, بل عمل وما زال يعمل في المجالين الأكثر شهرة وأهمية وهما النحت والتصوير التشكيلي, فكما استخدم الفرشاة استخدم الأزميل والمطرقة وقد وفق في المجالين. وعن العجلان أيضاً يقول الدكتور محمد الرصيص: تجربة العجلان تجربة ذاتية اعتمد فيها على القراءة والاطلاع والتثقيف ثم الممارسة العملية في مجال التصوير التشكيلي والنحت على الحجر أو بصب القوالب, وعلى الرغم من الاختلاف التقني بين المجالين إلا أنهما يحظيان منه باهتمام واحد فكراً وإنتاجاً معتمداً في ذلك على الاستلهام من المصادر الإنسانية والتراثية المحلية. ويشير الفنان محمد المنيف إلى أن أعمال العجلان في مجال النحت تشعرنا بالحوار الهادئ والحركة الراقصة بمعالجة خطية إيحائية غير مباشرة, تستقيم أحياناً وفي أحيان أخرى تبدو منكسرة أو منحنية إلى درجة تشكيل الدائرة مبعداً بهذا الفعل المتمثل في حركة الظل والضوء والكتلة والفراغ أو الإيقاع الخطي الوهمي رتابة الكتلة وسكونها, وقد حقق نجاحاً في أعماله الأخيرة. ومن جانب آخر تقول الفنانة سارة كلكتاوي: من خلال متابعة أعمال العجلان يتضح لنا وجود تناغم هندسي رائع اعتمد على التدرج في الخطوط الطولية, وأثمر التكرار عن وجود تردد خارجي للخطوط التي لها إيقاع مريح للنظر, فصار للشكل نداء بصري رغم بساطة الخطوط التي اعتمدت على عمق الفكرة.