DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

حسن السبع

حسن السبع

حسن السبع
حسن السبع
أخبار متعلقة
 
المشهد اليومي للأحداث مشهد سريالي، والحديث عنه أكثر سريالية أحيانا. وقد ينتاب المتابع السأم وهو يصغي إلى ما يدور من أحاديث عن هذا المشهد، أو يقرأ ما تضخه الأقلام على صفحات الجرائد. اسميه سأما ولا اسميه يأسا، فلا حياة مع اليأس. وكل من اطلع على تاريخ الإنسان على هذه الأرض يدرك أن التاريخ أنياب ومخالب. وأنه تاريخ صراع لا يهدأ إلا ليعود ثانية، بسبب تعارض الإرادات، وتصادم المصالح والقيم والاتجاهات. كانت هناك، كما يلاحظ إدوارد دي بونو، أوقات تحارب فيها الأسرة أسرة أخرى، وتحارب القبيلة قبيلة ثانية. والمدينة تحارب مدينة مجاورة، ثم صارت الأمم هي وحدات الحرب. كان هنالك أيضا سجال بين الإرادة الخيرة والإرادة الشريرة، الإرادة التي تسعى إلى البناء والتعمير، وتلك التي تسعى إلى الهدم والتدمير. وفي أيامنا هذه هنالك من يقاوم الجهل والفقر والمرض، وينخرط في أعمال تطوعية تخدم المجتمع الإنساني دون تمييز بين جنس أو عرق أو معتقد، ومن يختطف أو يقتل هؤلاء العاملين. من يسقي شجرة الحياة الخضراء، وهنالك من يحرق الأخضر واليابس. أقول: ينتاب المتابع السأم حتى من حديث كاتب موضوعي مستنير، يمتلك رؤية واعية، وتحليلا مقنعا، فما بالكم بمن يهرف بما لا يعرف، ليقبض في نهاية كل شهر المقسوم؟ وما بالكم بمن يكتب في السياسة «تخريجات» تناقض كل واحدة منها الأخرى، أو يقوض آخرها أولها. أو يتبع قاعدة: سمعت الناس يقولون شيئا فقلت.. وما بالكم بمن لا تختلف ثقافته السياسية عن ثقافة (نفيسة) أو (مزيكا) في مسرحية (المتزوجون). في هذه المسرحية يسأل حنفي زوجته نفيسة قائلا: «إيه رأيك يا نفيسة في سياسة الوفاق؟» فتتساءل نفيسة قائلة: «يعني أيه وفاق يا سي حنفي؟». فيرد عليها قائلا: «يعني الكتلتين العظميين يتفقوا سوا». فتجيب نفيسة قائلة: «يا لهوي! هما كانوا متخاصمين؟» فيرد حنفي: «طول عمرهم في حرب شعواء».. فتتفتق عبقريتها عن هذا التحليل السياسي الخطير: «سي حنفي.. يكونش حد عامل لهم عمل؟». هكذا تستقي نفيسة تحليلها السياسي من دهاليز الخرافة والشعوذة. لكنك ستجد، وأنت تتابع ما تخطه بعض الأقلام في هذا المجال، أن نفيسة ليست بدعا في دنيا «التخاريف».. أما حين يسأل حنفي مزيكا عن رأيه في سياسة الوفاق فإن مزيكا يفسرها بقوله: «يعني يا بخت من وفق راسين في الحلال».. ليجيبه حنفي قائلا: «دي سياسة أمك»! وحين تصغي إلى تحليلات نفيسة ومزيكا في السياسة فإنك تضحك ملء صدرك، وفوائد الضحك النفسية والصحية لا تحصى. فهو مستشفى بدون أطباء أو أسرة، وبدون حقن أو أدوية. وفي مقدمة كتابه (الملف السري للنكتة العربية) يذكر الأستاذ حسين الداموني أن بعض مستشفيات الولايات المتحدة قد أنشأت صالات خاصة بالضحك يرتادها المرضى فتشفى صدورهم وأنفسهم، قبل أن تشفى أجسادهم. أما حين تقرأ بعض المقالات السياسية العربية، فهي أقصر الطرق للإصابة بالتوتر، والوقوع في مخالب الاكتئاب، ليس لما تتضمنه من أخبار القتل والتدمير وحسب، بل لأن ما يطالعنا به بعض كتاب المقالات السياسية من استنتاجات وتخريجات ومبررات لا يختلف كثيرا عما تطرحه نفيسة إلا في النوايا. ذلك أن نفيسة حسنة النية طيبة الطوية. من أولئك الكتاب من يظن نفسه شاهدا على العصر. مع أنه (شاهد ما شافش حاجة)، والعمى عمى البصيرة. ومنهم من يعتقد أنه قادر على انتشال سفينة تايتنك العربية من الغرق، مع أن مضامين كتاباته تساهم في إغراق ما تبقى طافيا. ومنهم من يظن نفسه قادرا على التغيير الذي لا يستطيع تحقيقه حتى عفاريت ألف ليلة وليلة. فلو عثرت على فانوس سحري وحككته، وخرج منه مارد قائلا: «شبيك لبيك» وطلبت منه حل أزمة من أزماتنا المزمنة لما استطاع. وهي الحالة التي عبر عنها الفنان عبد الحسين عبد الرضا في مسرحيته (باي باي عرب). ومنهم من يعبر عن موقف شريحة سياسية ما لا تخفى قناعاتها عن أحد. ومنهم من يتوقع دائما أن تكون نسخة منه، أو على الأقل أن تنظر إلى آرائه ومواقفه باعتبارها خلاصة الحكمة، وجوهر الحصافة، ولب المعنى، مع أنه قد تخبط في قناعات ومواقف متناقضة، فكان كحاطب ليل. وهو مع ذلك كله يريد منا أن نشاركه المكان والزمان والموقف نفسه في كل مرحلة من المراحل، أو محطة من المحطات التي وقف بها. وعلى رأي نفيسة «أهو كله طبيخ». لكن ما يطرحه بعضهم «طبيخ» لا يستساغ ولا يهضم. لذلك تتمنى لو أن هؤلاء ساهموا بأقلامهم في تطوير أداء الخدمات العامة، أو كرسوها لتقويم ما اعوج من الطباع، وما يحفل به المجتمع من ممارسات غير حضارية لا تسر الخاطر، بدلا من الحديث عن قضايا شائكة بشكل بعيد عن الموضوعية، قريب من التحيز.. أجل. فلو أصلح كل واحد منا محيطه الصغير القريب منه لساهم في ترتيب البيت البشري بأكمله. ولعل هذا ما يجعلني أكثر ميلا واستمتاعا بالكتابات التي يتحدث فيها كتابها عن أنفسهم. أي عن حياتهم اليومية، وما يحيط بها من مضحكات أو مبكيات. ففي حياة كل منا، مهما كانت بسيطة، ما يستحق التأمل والكتابة. ويبدو أن هنري ميلر سيحصل على نصيب الأسد مما تبقى من هذا المقال، فهو يرى أن وقائع حياة المرء وأحداثها، بعد أن تعرى من الإدعاء والتزويق تبدو صارخة أكثر، وهكذا يستطيع قراء كثيرون فهمها. أجل.. يستطيعون فهمها والاستمتاع بوقائعها، ففيها المتعة والفائدة معا. أما ما لا يمكن فهمه ولا يحقق ثنائية المتعة والفائدة فهو تلك «التخريجات» التي لا تعبر إلا عن تطلعات سدنة التفكير الرغبي.. فإذا كنت تجيد لغة أخرى غير العربية، وتهمك المقالات السياسية، فلا تبدد وقتك مع تحليلات نفيسة ومزيكا، وابحث لك عن كتاب قد تختلف معهم، لكنهم حريصون على احترام ذكاء القارئ. إذا كنت تجيد لغة أخرى فأسرع قبل أن يلحق بك الحزن. ويمكن هنا التمييز بين كاتبين، أحدهما يكتب من خارج المشهد، أي ليس ضمن المشاركين في اللعبة، ولا يخضع لضغط المحيط ومحاذيره، والآخر يكتب من داخل المشهد، وهو جزء من ذلك التجاذب السياسي. الأول يكتب بعقله، والثاني يكتب بعاطفته. والحياة، كما يقول هنري ميلر، ملهاة لمن يفكر برأسه، ومأساة لمن يفكر بمشاعره أو عبر مشاعره. ولا يكتب بمشاعره إلا أحد عناصرِ الأزمة الخاسرين فيها أو المستفيدين منها. فكيف يتسنى لنا الثقة بموضوعيته وحياده؟ يتحدث ميلر عن طريقته في الكتابة قائلا: «أنا من الناس الذين لا يكتبون إلا بعد سنوات من الحدث». ومعنى هذا أن الذين كتبوا قبل أن تهدأ العاصفة، وتوصلوا إلى استنتاجات قاطعة مانعة، والحكاية لم تكتمل تفاصيلها بعد، سيجدون أنفسهم ذات يوم في موقف أو مأزق لا يحسدون عليه، لأن مسار الأحداث قد يخيب توقعاتهم. ولو عدنا لأرشيف المقالات السياسية المكتوبة قبل عقدين ونصف العقد ، وقرأنا آراء بعض الكتاب آنذاك، وعرضناها عليهم اليوم لتنكروا لها. حتى الذين ورطوا الشعر في شؤون السياسة بقيت قصائدهم تلاحقهم ساخرة، ونحن نضحك! [email protected]