احتار الكثير من علماء الإدارة وممارسيها بين علمية الإدارة وفنها، ففي الوقت الذي يراها البعض علما, نجد آخرين يرونها فنا, تخضع لاعتبارات فطرية. وهناك فرق كبير بين العلم والفن . فالعلم يقوم على قواعد ومناهج ونظريات تطبق في مجال القيادة والعمل, بينما الفن يقوم على المهارة والتجربة والذوق بمسحة إنسانية . فكما يقول العالم المعاصر لاوس في موسوعته في تعريفه الإدارة: فن وعلم الإدارة يتألفان من قيادة الأفكار والبشر لتحقيق نتائج مؤكدة.
عموما الرأي بأننا نريد قائدا لا نريد مديرا، يعكس وجهة نظر شخصية قد يتفق أو لا يتفق البعض معي فيها، والاختلاف في الرأي صحي جدا كما نعلم، ولكن تظل في النهاية وجهة نظر.
وحتى نستطيع التوصل إلى فهم وظائف كل من القائد والمدير، ونقرر أيا منهم نفضل، هناك سؤالان يفرضان نفسهما: هل كل مدير قائد؟ وهل كل قائد مدير؟ بمعنى آخر هل يمكن للقائد أن يقوم بمهام المدير وهل يمكن للمدير أن يقوم بمهام القائد؟ في رأيي إن المدير الناجح ليس بالضرورة قائدا ناجحا, بينما في كثير من الأحيان نجد القائد الناجح يمكن أن يكون مديرا ناجحا أيضا, وشتان بين الإدارة والقيادة.
المشكلة أن كثيرا من المديرين يعتقدون أنهم قادة ناجحون, بينما الواقع يكون غير ذلك . ففي كثير من الأحيان نجد أن من أسباب عدم نجاح المدير في موقعه انه قائد غير ناجح . فالفرق كبير بين إدارة أي منشأة وقيادتها. فالإدارة تعني تسيير أمور المنشأة بموجب نظام المنشأة المعتمد من مؤسسيها أو مجلس إدارتها, وكذلك بموجب قرارات وتعليمات صادرة ممن هو على رأس هرمها. إذا.. فالإدارة هنا قد تتضمن التعامل مع الموظفين، بصرامة وفوقية وتعسف وتسلط غير مبرر, تحت ستار الانضباطية والانجاز.
أما القيادة فأمرها مختلف تماما عن الإدارة, فهي تعني التفاعل بين الموظفين روحيا وعاطفيا وفكريا, لتحقيق أهداف المنشأة والحرص على رضا العاملين فيها, باعتبارهم أساس نجاحها، كما أن القيادة ترتبط ارتباطا مباشرا بالتواصل الفكري والروحي المتبادل بين أفراد المنشأة على اختلاف أنماطهم ودرجاتهم الوظيفية, بأي تجمع بشري - مهما كان مستواه الفكري والإداري - يحتاج إلى قيادة أكثر من حاجته إلى إدارة, لضمان سيره وفق الخطط المرسومة له لتحقيق أهدافه.
المعروف أن طموحات الإنسان لا يلبيها المدير إطلاقا, ولكن يلبيها ويحرص عليها القائد الذي ينشطها ويحرص عليها باستمرار . لذا لابد أن نجعل من منشآتنا غرف قيادة وتوجيه, وليس غرف إدارة وتحكم , إذا أرادت المنشأة أن تنجح . فنحن بحاجة إلى قادة وليس مديرين, ولنعلم أن كل شخص يستطيع أن ينصب نفسه مديرا, ولكن بالطبع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينصب نفسه قائدا.. فالقائد يختاره من حوله.
هل يمكننا إذن أن نجعل من المدير قائدا, وكيف يمكننا ذلك ؟ الإجابة هي بالاجاب طبعا, ولكن على المدير لكي يصبح قائدا, أن ينسلخ تماما من أفكاره الإدارية السلبية التي تخدم أهدافه فقط والالتفات إلى من حوله, والاقتراب منهم فكريا وروحيا وإداريا . إن الكثير من منشآتنا تفتقر إلى القادة الفاعلين, الذين باستطاعتهم تنمية قدرات العناصر البشرية, وتطوير ملكاتهم بما يخدم أهداف المنشأة, وتحويلهم من مجرد آلة ينجزون أعمالهم حسب الوظيفة التي يتقاضون مقابلها أجرا إلى عقول مفكرة تخدم المنشأة بشكل ايجابي .
القائد أيضا يتصف بقوة الإصرار، فهو من يبث الفكرة المثالية التي يؤمن بها في جماعته، ليحمل على عاتقه تنفيذها رغم ما قد يعترضه من عقبات. ويتصف القائد أيضا بقوة الشخصية والإرادة، فهو يريد ثم يعمل ويثير رغبة العمل في نفوس الآخرين، ويوزع عليهم الجهود والمسئوليات لتحقيق ما يريده، كيف لا وهو يفكر ويعمل ويدفع إلى العمل في سبيل المصلحة العامة؟
إذن نريد قادة يحولون الموظفين من الخوف والإرهاب الوظيفي بالتسلط تارة وبالتهديد تارة أخرى, كما هو الحاصل في أغلب منشآتنا السعودية, إلى عناصر فاعلة وطاقة طموحة, يشعرون بالأمان الوظيفي والمسؤولية بدوافع شخصية لا تسلطية . نريد قادة يحولون الإنسان (الموظف) من خاضع مستسلم للقرارات إلى عنصر فاعل وطاقة طموح, يعمل بما يمليه المنطق ومعايير الصواب والخطأ المتبعة في المنشأة.
نريد قائدا ذا شخصية يستطيع أن يتخذ قرارات تتخلص من السلوكيات الوظيفية السلبية، وتنمي السلوكيات الوظيفية الايجابية . نريد قائدا يتحلى بالشجاعة الأدبية، ويعترف بخطئه إذا ارتكبه، وتتوافر لديه الجرأة أن ينحي نفسه جانبا إذا رأى أنه عاجز عن أداء عمله بالمهنية المطلوبة، أو إذا اتخذ قرارا خاطئا سبب ضررا مباشرا أو مباشرا للآخرين، كما يفعل القادة المحترمون. رغم أننا نريده لكن أين نجده؟.
[email protected] 
