لا يخفى على أحد، أن الولايات المتحدة تغرق في مستنقع العراق، الأمريكيون أنفسهم أدركوا ـ ومعهم البريطانيون ـ أن الوضع أصبح لا يحتمل بالنسبة إليهم عسكرياً حتى ولو كانوا هم المنتصرون في الحرب، أو سياسياً وهم يرون الأصوات تتعالى للخروج.. بعد أن تجاوزت الخسائر البشرية حدود المسموح، وباتت الأرقام المعلنة والنعوش الطائرة تؤرق الكثيرين.
ولأول مرة في الانتخابات الأمريكية، بات موضوع خارجي هو الضاغط الأول على القرار الانتخابي، لذا رأينا حزب الرئيس ينهار في مواجهة الديموقراطيين، وتدفع الإدارة الأمريكية رأس أحد كبار نافذيها (رامسفيلد) كبش فداء لصندوق الاقتراع.
أمريكا تبحث عن مخرج مشرف، بعد أن فقدت البوصلة، ومنيت سياساتها بالفشل الكامل، فلا هي استطاعت أن تقر الأمن سوى في منطقة خضراء معزولة، ولا استطاعت أن تعيد للعراقيين حريتهم، لأن المواطن البسيط أصبح أسير وطن اكبر، ومعتقلاً في منزله دون أن يأمن على حياته، أو يومه أو مستقبله، وتحول العراق إلى أكبر مقبرة جماعية للجثث المجهولة والرؤوس المقطوعة، يتم فيها القتل العلني على الهوية وعلى الاسم وعلى الانتماء الطائفي.
الجميع الآن في ورطة بعد انهيار كل الشعارات، وسقوط كل الأحلام، والجميع يغوصون في خندق يجرهم إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وأول سبيل للنجاة ومحاولة الخروج هو أن يتوقف الجميع أولاً عن الحفر، وهذا ما لا يبدو واضحاً أو مؤكداً في المشهد العراقي الذي أصبح يعج بكافة الخيوط المتشابكة، من قوة احتلال، وقوى خارجية لا تقل مساوئها عن هذا الاحتلال، وانفراط عقد وطني عام، وبحث عن السيطرة السياسية وعصابات الثأر التاريخي، وميليشيات القتل وحرق الأحياء أمام المساجد.
الانفلات الأمني هو نتيجة حتمية لانفلات سياسي، ونتيجة مأساوية لانفلات طائفي، وتصفية حسابات عرقية وتاريخية، تكاد الآن تودي بالعراق للهاوية، ربما تنجح جهود اللحظة الأخيرة في إنقاذ العراق/ الشعب أولاً من كل هذه المعاناة، وإنقاذ قوة الاحتلال أيضا من المأزق الراهن، وإنقاذ المنطقة من كوارث محتملة ومرتقبة.
الرئيس الأمريكي بوش يلتقي اليوم رئيس الوزراء العراقي في الأردن، مفارقة مضحكة لرئيسين غارقين على أرض محايدة، هل بالإمكان أسوأ مما كان أو مما سيكون؟