DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

نجيب الزامل

نجيب الزامل

نجيب الزامل
نجيب الزامل
أخبار متعلقة
 
.. الحياة مجرى عريض مثل النهر الذي يبدأ فوارا، ثم يرتاح في السهول، ويعود ثائرا في المهابط، ويضيق، ويتلون، ويتفرع، ويتجمع، ويتغير من بيئة إلى أخرى ولكنه يبقى النهر ذاته لأنه متواتر بلا انقطاع من منابعه إلى مصبه.. ولا يمكن أن تفصل كل مرحلة حسما، أو تقول إن النهر بدأ يعطي نفسه مواصفات جديدة.. ولكنه يتغير ويتموه ويتشكل حسب التضاريس وحسب البيئة.. شيء طبيعي. وهكذا إذن الدول. دعني أعط مثلا آخر، وإن كان الناس قد اعتادوه لصفات غير جذابة مثل التزلف والنفاق، ولكني أتكلم حيويا -لأن كل دولة هي حياة أيضا- ومثـَلـُنا هنا الحرباء (وأنواع كثيرة من الحشرات والمخلوقات البحرية) التي تتشكل مع كل ظرف لونا وشكلا، وهذا لا يعني أن الحرباء انتقلت حيويا من مرحلة إلى مرحلة أخرى، تشكلت من الخارج وبقيت وظيفيا كما هي.. في المثل ذائقة قد لا تقبلوا طعمها، ولكن كي أوضح أن التغير والتطور لا يعني إظهارا جديدا، أو بزوغا من عدم.. إنه الاستمرار، أو لك أن تقول طبيعة الاستمرار. ونحن نعيش تغيرا ملحوظا في بلادنا، بعض الأشياء تتغير بفعل التطور الجماعي العادي، فلا يمكن إن تقول أننا نختلف عن آبائنا الذين يأكلون بأياديهم، عنا نحن الذين نستخدم أدوات المائدة.. ولا يعني كذلك أن جدنا الذي أكل كسرة اللبن القاسية، يختلف عنا نحن الذين تدخل أجوافنا شطائر الهمبرجر أو مكعبات اللزانيا. نحن نفس الرجل لا يفصل بيننا إلا الزمن، والمتاح، وتطور وسائل الحياة.. ليس أكثر. وبعض الأشياء تتغير فينا وحولنا بشكل لم نكن نتوقعه، وفيه طبيعة النقلة الشعورية والعقلية، بعضها خفي، وبعضها على استحياء، وبعضها بفوران وسطوع .. وهذا بالضبط الذي تمر به بلادنا حاليا. بعض هذه التغيرات أو "التغييرات" يقبلها بعضنا وهم فئة كبيرة من الناس لا تود أن تنزعج في إجهاد النفوس، وترك الأمور للمسئول عنها ليتولاها، ويريحون ملائكتهم كما هو القول الشائع. وبعض آخر يسعى أو أنه قد سعى وطالب بهذا التغيير، وبعض آخر وبطيوف من الشعور متدرجة يرفض التغيير.. طبيعة كل حراك مجتمعي. صحيح أيضا أن التغيير هنا صار فيه تضاربات لم نعهدها من قبل، وتداخلات لم نع شيئا حولها في الماضي القريب جدا، ولكنها تحدث الآن، فتجد أن المجتمع ينقسم بتضاد "موحش أحيانا" بين منتهى الأخذ بمظاهر التغيير وكأنها دين جديد، وبين من يدافع ضد هذه التغييرات بضراوة أشد يحرس هيكلا أناخ عليه القداسة.. والقداسة والدين بعيدان عن ذا وذاك.. ولكنه يحدث أيضا، ويجعلنا نقلق وهذا طبيعي. وهناك تغييرات مثل التغيرات المناخية، ضرورية وتنفع وتضر، ولكنها لا تأخذ إشكاليات النزاع تلك الحالة التي سميناها توحشا، ولا تمس هيكلا ولا هروبا من هيكل، ومثالها التغييرات الدولية في الأسواق والاقتصاد.. ولكنها بالتحقيق ستقود بالضرورة التتابعية الحتمية إلى سلسلة، بل سلاسل من التغييرات.. لذا عندما تقرأ لبعض المفكرين يخلعون عنهم رداء طال لبسه، ويخرجون بشخصية جديدة متنكرة للأولى، وأن تبلغ الحماسة في كتّابٍ بأن يبشروا بميلاد دولة جديدة (تعني بوضوح خلع الرداء الديني السلفي، لتشكيل دولة ليبرالية مدنية تتنكر للشكل السابق) فإنك سترى هنا الإصرار على رسم تصوري قسري لا يصب في طبيعة نمو حيوي لا ينقطع، ولو صاحبته الفورات. المخيف، هو تلبس فكرة إقناع الناس أن الأطر الدينية بأشكالها هي التي أوقفت نمونا لنزدهر، وحان أن نجرب طريقا آخر. صحيح أن هذا لن يحصل كما في يقيني، ولكن نحتاج فعلا أن نلتفت للناس ونخبرهم، ونوضح لهم ما يجري تماما.. حتى لا يكون الفزع من سوء الفهم والتفسير، فتشتد ضراوة التوحش والتباعد.. فننقسم فعلا - عندها- إلى "عدة مجتمعات أخرى".. كل ما يجب- وأيضا في يقيني- أن نفهم ونتفهم أن التغيير واجب، ولكن الأوجب منه ألا يمس التغيير خلايانا الحية وألا تُنزع جلودُنا، فأنا أرضى أن تلبسني بنطالا، ولكن لن أرضى أن تنزع جلدي.. خلايانا وجلدنا ومقوماتنا هي أننا لا نعبث بأصولنا الروحية والتأصيلية، وألا.. عُبث بنا! [email protected]