DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

وليد سامي أبو الخير

وليد سامي أبو الخير

وليد سامي أبو الخير
وليد سامي أبو الخير
أخبار متعلقة
 
في صغرنا كنا نعيش طفولة شفافة ، تدهشها كل الموجودات ، فهي بالنسبة لها جديدة ، تحفز مكامن العقول والوجدانيات ، كل شيء يحتاج منا إلى جس ولمس ، وربما نتلقفه لنضعه في أفواهنا ، في براءة طفل يبكي لبكاء أمه دونما أن يعرف السبب ، يحنو عليها بكفيه الصغيرتين الناعمتين ليودع الحنان كله في جنان والديه ، حب أخلاقي ، لا يدرك حسابات النفعية والأثر المقابل ، حب يعبر عن نفسه بصدق ، يشتاق ، يبكي ، يلتاع ، يهذي ، أحوال لا يجمعها إلا قطب رحى واحد هي العفوية والالتصاق بالآخر لأجل الآخر . وتمر الأيام تخيط سنيناً ، تنضد النفس بأحزانها وآلامها عقداً من صوارف الدهر منضوداً ، وهي في مسربها ذاك لا تعي ما تخبئه الليالي بين جناحاتها ، كما أنها لا تعي أيضاً خسارتها الفادحة من عفويتها الأولى واندهاشاتها الجميلة ، تشبه في حالتها تلك حالة من تنزه في غابة كثيفة مرسومة بعدد من الألوان ، ملؤها الأشجار وزقزقات العصافير ، وصوت خرير الماء ينبعث من احدى الجنبات وثمة نسمات شرقية تحمل معها عبقاً من أريج ، والشمس قد دنت إلى الغروب وأصبحت التلال معتمة ، إلا من بصيص نور يشع من داخل القلب الحزين ، يهدي السائر إلى استحثاث المسير ، وبينما هو هادر على هذه الشاكلة وفي تلكم النواحي إذ به يدهش بسفينة فضائية تهبط أمامه ، ثم لا تلبث أن يخرج منها مخلوق غريب ، يتأمل كل واحد منهما الآخر، ويسائل نفسه : ترى كيف أصبح هذا المخلوق بهذا الشكل ؟ أتدرون كيف تنقلب ذواتنا إلى وحوش ضارية بينما يبقى الجسد هو الجسد ؟ عندما نفقد عفويتنا فذلك يعني أننا فقدنا إنسانيتنا ، عندما يصبح كل شيء من حولنا يحمل معنى ضمنيا دفينا وآخر له معنى ظاهري بسيط ، عندما نحمل المعاني كلها على المضمون القبيح ، وإن لم تسعفنا الرؤية عللناها بمضمون خاف قد أتقن حاملوه دسه في طويتهم ، هكذا يا قوم يستحيل الإنسان غير الإنسان ، لينتشر وباؤه على جنبات هذه المعمورة كما يحبون أن يسموها ، أو كما قال ( نيتشه ) من قبل الإنسان مرض متفشٍ على الأرض ، وكيف ذلك يا نيتشه ؟ يجيبنا فيقول : يوم أن يصبح الإنسان بلا مأوى يصبح مريضاً ، وما هو المأوى يا ترى ؟ هو الحب العفوي ، هو معنى إنسانية الإنسان ، إيهٍ يا نيتشه عن أي شيء تتكلم وعن أي إنسانية تتغنى ؟ هل الحب العفوي هو ذلك الذي يشتعل في قلب المحب لا لشيء سوى لإشباع حاجة في نفسه ولو كانت هذه الحاجة على حساب مكامن المحبوب ؟ أم أنه ذلك الذي لا يأبه بكل قوانين الأرض والسماء عدا قانون الرغبة المادية الرخيصة ؟ أم تراه حبا كل همّه إضاعة الوقت وصرفه فيما لا طائل من ورائه ؟ لا أعتقد أن واحداً مما سبق يستحق أن نطلق عليه حباً ، بل هي الأنانية في ثوب مهتريء وإن تدثرت بوشاح قشيب ، ذلك الوشاح الذي يخدع الطيبين ، ذوي نفوس الأطفال ، فهم وحدهم كما قال ( أوسكار وايلد ) يموتون دائماً بعد حزن طويل ، ومرد ذلك أن الزمان بأسره قد تكالب يلعب لعبة الشطرنج في حين أنهم قد ظلوا يلعبون لعبة ( الاستغماية ) ورحلة البحث عن حبيب ! مأساتان : الأولى عدم حصول المرء على ما يريد ، والثانية حصوله عليه ومن ثم مكابدة المحافظة ، ومن هنا تبرز المأساة الثالثة التي تقول : إن قوتنا ما هي إلا مصادفة نشأت من ضعف الآخرين ، وإذا في يوم شكا لك شاب من قسوة امرأة فاعلم علم اليقين أن قلبه بين يديها ، وأن الأخيرة قد استحكمت بوجدانه استحكام السوار بالمعصم ، وما الذي كان منه سوى لوذ بالبوح ليس أكثر ، فإلى الشباب خاصة أناجيهم في محفلٍ علني إياكم ثم إياكم أن تتفوهوا بهذه العبارة « أنا أحبك « فإن فعلتم فاعلموا علم اليقين أن أول ما تفكر فيه المرأة بعد ذلك هو كيفية السيطرة عليك ، فإما أن ترضخ لتلك السيطرة مكرهاً ، ومغلباً في الوقت نفسه جانب الرجاء ، وإما أن تخسرها وتعود وحيدا ، هل أقول هذا لأني رجل ولست امرأة ؟ ربما ، وللمرأة أن تدافع عن نفسها فلقد سئمنا حديث الرجل بالنيابة عنها. وإذ نعلم أن الشاعر الإيطالي ( داننسيو ) كان دائم الحديث عن القبلات الطويلة لأنه ببساطة لم يظفر بامرأة ما تقبل بتلك القبلة منه نظرا لرائحة فمه الكريهة فكذلك هو حال الكثير من الرجال الذين تسربلوا بلغة الدفاع عن المرأة وهم يخفون بين رائحة أفواههم كلمات الغزل الصفيقة ، ولا عجب ولا ريب فكلٌ يبحث عن الحب بطريقته وبشباكه الخاصة ، طبعاً أنا أعني هنا ما يسمونه حباً تجوزاً ، وإلا فليت شعري أي الفريقين أهدى سبيلاً ، من احبّ حتى يُحب ؟ أمن لم يُحب فجاءه ساعياً إليه من يُحبه ؟ وعلى أية حال فإننا نتلمظ في زمان سيقت فيه مفردات الحب جملة ، واستهلكت مثنى وثلاث ورباع كما لم تستهلك من قبل ، وما قرأته أخيرا من أن أكثر من 95% من رجال ونساء هوليوود لا يحظون بعلاقة زوجية صادقة هو أصدق مثال على أن الإنسان حينما يفقد شيئا يتغنى به ولو كان كاذباً أو عازفاً لحناً نشازاً ، إن العالم بأسره يفقد المحبين وليس آحاده فقط ، لقد شاخ العالم وهرم إلى درجة لم يعد يعي فيها ما الذي يرومه بالضبط ، فضلا أن يجد من يشاركه ذاك المروم ، ولكي يلتف على هذا الوضع المزري امتهن الكذب ملهاة له ولغيره سعياً حثيثاً لنيل المراد ، سواء أكان هذا المراد مادة أم معنى ، والأخيرة هي صاحبة الحظ الأوفر من تقنيات الكذب الفعّالة ، فالإنسان أضحى يحب لأنه ببساطة يحتاج للحب ، تخيلوا يحتاج للحب ! بل وأحيانا يقدم قرابين قد تكون مكلفة جدا في سبيل إشباع تلكم الحاجة ، المرأة تقدم ما يغري الرجل ، والرجل بالمقابل يقدم ما يغري المرأة ، ونسي الاثنان أنهما مخدوعان بإرادتهما ، إن الحب لم ولن ينمو من جديد إلا بعد أن تعود النفوس قاحلة كما كانت من قبل ، حينها فقط ينعم الإنسان بالحياة لأنه أصبح يعمرها بإنسانيته الأولى ، أصبح طفلاً في مشاعره من جديد ، بدأ يبذر البذرة الصالحة ويرجو فرعها في السماء ، بعد أن مادت النفس دهرا طويلا بأشجار السوء المجتثة . وفي نهاية المطاف أصدقكم القول في أمرين : أولاهما أنه لا حب البتة إلا ذلك الذي نستطيع أن نصرخ بكل دواخله ودواخلنا في وجه العالم أجمع بله وجه الحبيب ، هذا الأمر الأول ، أما الثاني فحقيقة لست أدري ما السبب الجوهري الذي دعاني إلى كتابة هذه الكلمات أعلاه ، لكني أدرك مدى الجفوة الكبيرة التي قد تنجم عنه بين الكاتب والقارئ ، لكني سأقصم ظهر البعير وسأنثر ما بقي في جعبتي حتى لا أبقي على حبال وصال رتيب ، وأختم بسؤال ظل يتردد في صدري طويلاً : هل ثمة حب على وجه هذه البسيطة قد خلى من دواخل الأنانية ؟ أجيبوا بصدق وبصوت خافت حتى لا يسمعكم أحد ، ثم اصرخوا معي وكأنكم في وادٍ سحيق : ألا ليت قلوب الخلق ظلت على طفولتها ، ألا ليت !. [email protected]