رُبما لا يكون هذا العنوان قد خطر على بال أحد ممن كتب أو قرأ مواضيع إدارية من قبل ! ، والحقيقة لم يخطر على بال كاتب المقال نفسه إلا بعد سنوات من الملاحظة المضنية له أثناء العمل، والسؤال هل هناك فعلا ما يسمى بـ « وهّمْ الإدارة «؟ وهل نستطيع ملاحظته كما هو السراب في آخر الطريق الطويل عند ارتفاع حرارة الجو، أو الصدى القادم من ارتداد الصوت العالي في المكان الواسع، أو الضباب نتيجة تبخر مياه البحر ؟ ، وهل يَخدعُ هذا الوهّمْ من لا يعرف كيف يتعامل معه أو يحذر منه ؟ الجواب سيكون بإطلاعنا على هذا الطرح وقراءته بتأن وتفكّر، ونرجو ألا يؤخذ علينا مفهوم الطرح نفسه، لأننا نسعى من خلاله لتنبيه ولفت نظر كل من لم يستشعر هذه الظاهرة بعدّ، راجين أن نكون قد حققنا الهدف وأصبنا الأجر ونعتذر عن أي تقصير في نوعية ومادة الطرح نفسها.
أولاً نَودُ أن نوضح ما الوهّمْ وما المقصود به.
« الوهّمْ هو كل ما ليس له حقيقة ويأتي كنتيجة تخيل أو تصوّر أو اعتقاد خاطئ بسبب ظروف أو مؤثرات متنوعة ومظلّّلة، وبالتالي تكوّن لدينا إحساس مرئي أو مسموع أو حتى مجرد شعور داخلي غير محسوس ولكنه في الأصل وهّمْ»
ونسأل كيف يكون هناك وهّمْ إداري في الواقع ؟ ولكي نوضح ذلك بشكل مبسط وكما تعوّدنا من قبل، علينا أن نقسم أنواع الوهّمْ الإداري إلى 3 أقسام أساسية هي كالآتي:
1 -وهّـــمْ المعرفــة
2 -وهّـــمْ الثقـــــــة
3 -وهّـــمْ القناعـــة ونبدأ بشرح هذه الأوهّامْ الثلاثة والتي قد تتغير مُسمياتها لدى البعض ولكن يبقى فحواها واحدا، و يفترض بعد معرفتنا لها بالتوضيح أن نكون قد غطينا جميع نواحي الوهّمْ في الإدارة، وأولها هو:
« وهّــــــــــــمْ المعــــــــــــــــــــــرفة » من المُسلّمات في المعرفة، أن أياً منا لا يعلم أو يحيط علما بكل ما يدور حوله في هذه الحياة، فهو يبقى مقرونا بما يستطيع معرفته سواءً بالتعلم والممارسة أو المراقبة، وما عدا ذلك يبقى في الغالب إما تخمينا أو ضنّا أو افتراضا أو نعلنها جهلاً صريحاً ! خصوصا إذا لم نستطع تأكيد أو نفي المعلومات من حولـنا، والمقصود بوهّمْ المعرفة هو ادعاؤنا بمعرفة ما يحيط بنا، وما تحويه الحياة من هذا الكم الكثير والهائل من المعلومات التي لا تستطيع قُدراتنا المتواضعة أن تعيها أو تفهّمُها جميعا أو حتى تستوعب كل ما يدور منها، ومهما جاهدنا يبقى علمنا محدودا بها، وعليه ما ردة فعلنا لما لا نعرفه، ولا نستطيع معرفة حقيقته ؟ الجواب : إما بصعوبة نُقّر بجهّلنا، أو نتظاهر بمعرفتنا له بتواضع مُحّرج، أو نُحمّل عدم معرفتنا به على الناحية الإيجابية الحسنة! ، وهذا ما أود تأكيده وربطه بطرحنا هذا « الوهّمْ في الإدارة «. إن في مفهوم الإدارة الحالي « كل ما لا نعرفه أو نعلمه ليس سيئا «، فنحن مثلا عندما نتقدم للعمل بقطاع ما ( مؤسسة أو شركة أو أي مشروع ) ، ماذا نعرف عنه وما نستطيع أن نؤكده أو ننفيه من معلومات حول هذا القطاع ؟ في الغالب الشيء القليل جدا أو لا شئ معظم الأحيان، فلن نعرف أو نعلّم إلا ما قد يعطى لنا من بيانات ومعلومات بواسطة إدارة هذا القطاع نفسه، وقد تكون أغلب المعلومات مُضلّلة وغير صحيحة ولكننا نبني على صحتها ! وهذا ليس سيئا (حسب المفهوم الإداري)، عليه نقع تحت تأثير وهّمْ المعرفة ، فمثلا نقول لأنفسنا « إن سمعة هذه الشركة أو هذا القطاع في المجتمع أو المنطقة جيدة وأن أصحابها أو مسئوليها أناس ذوو خبرة، أن مشاريعها الأخيرة ناجحة ومنتشرة،، الخ « ، وبالتالي لا بد أنها شركة جيدة وحسنة ولا يمكن أن نتوقع أي صفة سلبية عنها ! خصوصا ونحن بحاجة إلى العمل وقد يكون العرض مُغريا أيضا، فلم لا نوافق على العمل ! ، وهذا ما نعنيه بـ « وهّمْ المعرفة «. ولتوضيح ذلك أكثر نقول من منا لم يسمع عن شركات دولية أو كبيرة مثل شركة آرثر أندرسون للمحاسبة القانونية، أو شركة أنرون الأمريكية، أو شركة دايو الكورية، أو حتى شركة سبائك السعودية ؟ أن الذين لا يعرفون خبايا الأمور بهذه الشركات يفترضون أنها ناجحة جدا وذات سمعة وصيت تجعل الكثير يتمنّوا مجرد فرصة للعمل ضمن فريقها أن حصلت لهم فرصة هناك ! ، وهذا ما نقصده بـ « وهّمْ المعرفة «، فما نعرفه عن أي من هذه الشركات أو غيرها من السمعة والصيت الكبير ما هو إلا القشور الخارجية من المعلومات العامة ولا نعلم الكثير عن معلوماتها من الداخل! ، وعليه قد يُستغل كثير منا بالانجذاب لمثل هذه القطاعات أو غيرها ممنّيا النفس للفوز بفرصة للعمل وهو لا يعلم بأن ما يراه من الخارج ما هو إلا الوجه الجميل والهالة التي لا حقيقة لوجودها وما لا يعرفه عن الداخل قد يكون سيئا ولا يحمّس أياً منا للاقتراب أو حتى التفكير بالارتباط في هذه الجهات مطلقا. ولتأكيد مفهوم « وهّمْ المعرفة « نسأل هل فكر أي منا ( مهما كان مستواه) أثناء تقدمه للعمل إلى أي جهة ما وقبل الارتباط بها أن يستفسر أو يحاول معرفة الرد عن أسئلة هامة مثل:
* ما أرباح القطاع للسنة الماضية ؟ وما كانت نسبة نمو مبيعاته خلال السنوات الماضية ؟
* ما عدد عمالة القطاع وما نسبة من يتدرب منهم سنويا؟ وأين يتم تدريبهم؟
* هل للقطاع سلالم درجات، وسلالم رواتب معتمده يعمل بها؟
* ما معدل سنوات خدمة الموظفين بالقطاع ؟ وهل يتم تقييم أدائهم سنويا؟
* ما مُعدل التوظيف السنوي ونسبة الإحلال لعمالة القطاع؟
* ما المعدل السنوي للقضايا العمالية فيه؟ و ما أسبابها؟.
* هل يؤمّن القطاع على كافة ممتلكاته تأمينا شاملا ؟ هل يوفر تأمين إصابات وتعويض للعمال ؟
* هل يعلن القطاع عن سجل الحوادث لديه سواء الإصابات العمالية والتأمينية والسيارات مثلا ؟
* هل يصرح القطاع بمعلومات واضحة لمن يرغب العمل لديه حول الآتي:-
- البنوك التي يتعامل معها
- مواعيد دفع الرواتب
- القروض ونظام الادخار
ـ الخدمات الطبية والعلاج
- الخدمات الاجتماعية
- التطور الوظيفي للموظفين
- نظم وقوانين العمل - الهياكل التنظيمية
- الأوصاف الوظيفية
- سلالم الرواتب والدرجات
- لوائح الجزاءات والمكافآت
- نظم السفر والانتدابات
o برأيكم أنتم ماذا يمكن أن يكون الجواب لو حاولنا (مجرد محاولة) توجيه مثل هذه الأسئلة مباشرة وقبل التوظيف والالتحاق إلى إدارة أي قطاع، وهل سنحصل على رد واف عليها ؟ اعتقد إن الجواب الصريح هو إننا غالبا لن نتجرأ أن نسأل أياً منها أو معظمها بالأصل ! ، طبعاً لأننا لا نرغب بمعرفة الأشياء التي لها تأثير سلبي على قرارنا بقبول الالتحاق بهذا القطاع أو ذاك ! ، و بالتالي نوهّمْ أنفسنا بأننا نعرف أو لا نحتاج أن نعرف الأجوبة، ونفترض أن عدم معرفتها ليس سيئا، وأن القطاع بالغالب لن يكون سيئاً بحكم اسمه أو سمعّة مديريه أو أصحابه ! ، وفي الأخير نبني ونُحلل معلوماتنا معتمدين فقط على ما يتوفر لنا من معلومات عامة عن القطاع وبدون تفاصيل ، وطبعا نُجبرُ أنفسنا جبرا على اتخاذ قرار الالتحاق تحت تأثير مباشر من « وهّمْ المعرفة « حسب المفهوم الإداري.
هذا ما تمكنّا من شرحه في ختام القسم الأول الخاص « بوهّـمْ المعرفة « والذي نأمل أن يكون واضحا للقارىء المحترم، وفي الحلقة الثانية سنحاول التعمق أكثر في شرح القسم الثاني منه وهو « وهّــــمْ الثـــــقة « فأبقوا معنا، وإلى اللقاء...
[email protected]