عاجل
DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

نجيب عبدالرحمن الزامل

نجيب عبدالرحمن الزامل

نجيب عبدالرحمن الزامل
نجيب عبدالرحمن الزامل
أخبار متعلقة
 
@ سُجى.. "طفلة سودانية فقدت أمها في حادثة الجسر وخرجت من بين جثث الضحايا"- الشرق الأوسط، عدد الأمس. يا بنيتي: إني أغالب الدمعَ وأنا أرى عينيك الواسعتين تفيضان ألما ودهشة وحزنا وضياعا وخوفا، فقلبك الصغير الآن يحمل ألمَ الدنيا. يا بنيتي: لن أستطيع أن أعدك بأن هذا لن يتكرر في المستقبل، إنه شيء يحدث يا صغيرتي، يحدث أن يموت الناس ازدحاما واختناقا.. يموتون من جهلهم، ومن خوفهم، ومن تحالفهم مع بعضهم عندما يغزون الجموع كتلا متماسكين ليشقوا الطريقَ للهدف، وهم لا يدركون أنهم يحرثون الطريقَ للعدم.. للموت. بل يا صغيرتي إني أخاف أنهم يعلمون أن خيارَ الموت كان حاضراً بكل هيبته، ولكنهم أيضا يريدونه، والبعض يتوقُ إليه توقا.. كلنا ندفع الثمن، وقد دفعته بهذا العمر الصغير أمام هذه الفجيعة الكبرى.. أن تدخلي الجسرَ لرمي الجمرات ويدك ملصوقة بيد أحنّ الأيادي لك في الدنيا، وفجأة، تخرجين بلا اليد.. وبلا الأم. نعرف يا بنيتي أن سكاكينَ الآن تـُشحذ لتلمع نصالها وهي موجهة لصدورنا هنا في بلادنا.. أقولُ لكِ هذا أمرٌ من طبيعة الأشياء، فسكاكينُ المنتقدين تلمع عند كل هِنـَةٍ كبرى أم صغرى.. لقد صنعت لهم الحادثة الكبرى مِسـَنـّاً ليشحذوا به، وعليه، أنصالَ خناجرِهم.. لا بأس. ما يؤلمنا حقا، أن أرواحا بالمئات أزهقت موتا من الخنق، والزحام، والدوس، والرعب الأكبر.. هذا سيؤلمنا بشدة. نعم، يؤلمنا يا فتاتي، معبرا عن كل بلادي، أنك فقدت أمك.. وأننا فقدناها أيضا، ومعها فقدنا أرواحا كثيرة، ولن تعود.. أريدك يوما وأنت تكبرين يا حبيبتي الصغيرة أن تأخذي للذكرى الصورة التي نشرتها الشرق الأوسط (يوم أمس)، وأنت بالصورة آية من آيات الله السامية الحسن والدعة، وعلائم الذهول تملأ تعابير وجهِك الصغير، وأن تتأملي جيدا هذا الشابَ المقنع الذي يجثو على ركبتيه أمامك، ممسكا بكلتا يديه بحنان عظيم يدك الصغيرة، ويشد عليها حبا وخوفا، حبا لك أنت، وخوفا عليك أنت.. وأن تلاحظي هذا الرجلَ الذي يقف خلفك يحضنك وكأنه انعزل عن العالم فلا يرى إلا أنت، ولا يشعر إلا بك، ولم يعد همه إلا أنت. رجلان.. صرت فجأة في قلب عقليهما، وقلب ضميريهما، وفي قلب قلبيهما. هذان الرجلان يا صغيرتي الحبيبة هما .. بلادي. آمل من كل قلبي أن تكبري يوما وراء يوم ولا تكون هذه الحادثة إلا ذكرى تدعين فيها لأمك، وأن تصدقي أنها ماتت على أقدس تراب من كل ترابٍ على الأرض، وأنها بعزة الله وبرحمته، مع الشهداء في عليين. وأن ندرك نحن أن ما نذكره عن تدافع الحجاج وجهل بعضهم، وتدافع بعضهم، وافتراشهم الطرقَ والمسالكَ مع أنه من مبرراتنا عندما يدق جرس الموت ندرك بأنه مشهد لن يتغير، وأننا لا نملك أن نغير طباع هؤلاء الناس.. إذن سنبني خططنا من الآن أن تكون المبررات هذه، أسبابا وحوافز كي نفكر بعقلية جديدة كاملة في إدارة كل المواسم، عقول تعرف أن طبع وسلوك الحجاج لن يتغير، وإذن ليكن هذا الطبءعُ الثابتُ هو الإدخال الأول لأي خطط جديدة قادمة، لا أن يكون فقط المبرر الأول.. ابنتي.. ستعيشين بحول الله عمرا مديدا، وسيأتي يوم يأذن الله لك بأداء الحج في أرضه المقدسة.. ومن كل قلبي أدعو حينها- ومعي كل مسلم على الأرض- أن يسرك ما سترين.. آمين. [email protected]