DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

د. فؤاد محمد السني

د. فؤاد محمد السني

د. فؤاد محمد السني
د. فؤاد محمد السني
أخبار متعلقة
 
لست من المختصين، ولكن فهمي المتواضع للانفصام هو مرض نفسي عقلي يتمثل في اجتماع القناعات المتناقضة عند أحدهم مما ينتج عنه اضطرابا واضحا في سلوك الإنسان ، وليس شرطا تزامن وجود هذه القناعات ، بل يكفي أن يوجد هذا التناقض في أوقات مختلفة. ليس سويا اجتماع النقيضين في سلوكيات الفرد. فصعب أن يجتمع الخير والشر في شخصية واحدة، وصعب أن يتصرف الإنسان في بعض الأوقات ضمن أنظمة وقوانين ومبادئ من نوع ما، لنراه يتصرف في وقت آخر ضمن باقة جديدة من هذه الأنظمة والقوانين والمبادئ.. وتزداد صعوبة المواقف عندما يتكرر اختلافها. لست هنا بصدد الحديث عن انفصام الشخصية النفسية أو "الشيزوفينيا" كأحد الأمراض التي يذهب إليها علماء النفس في تشخيصهم لبعض مرضاهم. ولكني هنا أتحدث عن انفصام من نوع آخر. أتحدث عن انفصام نعيشه جميعا، وكل من موقعه، في كيفية التعامل مع واقعنا المتمثل في المنبر والجريدة و المجلة و التلفاز والمذياع ( ولنسميها وسائل التواصل التقليدية) من جهة ، والانترنت والأطباق اللاقطة من جهة أخرى. في الأولى تتزاحم كثيرا من الضوابط ومفردات المنع و المحرم والخطوط الحمراء لتطغى على كل المعاني الأخرى، وفي الثانية لا تجد أثرا للتحريم بل ولا حتى للمنع الا ما منعته أنت على نفسك. في الأولى يطالب الفرد بأن يفصح عن من هو، ومطالب بالالتزام بأن يكون حديثه ملتزما بما جاء في قوائم المسموحات وبعيدا عن قوائم الممنوع الطويلة. ولابد له أن يتوخى في إلقاء المسموع و كتابة المقروء ما وضع من ال"نعم" وال"لا". لكن في الثانية ليس هناك من قيد إلا ما وضعته أنت لنفسك، وفي الانترنت ليس هناك من يطالب بالإفصاح عن اسمك وهويتك. ومن هذا يمكن ملاحظة التفاوت الكبير بين ما يطرحه الفرد في الوسائل التقليدية من جريدة ومجلة و تلفاز ومذياع وتحت اسمه الحقيقي، وما يطرحه في عالم الانترنت ومنتدياتها وربما تحت أسماء أخرى مستعارة. عالم الانترنت ذاك يمكن لنا أن نصوره على أنه عالم آخر يسير متوازيا مع حياة الواقع. وما أن يدخله الفرد حتى يتحتم عليه أن يترجل عن واقعه ويمتطي جوادا آخر يشق به تضاريس عالم يمكن من خلاله التواصل مع كل من فيه بدون أي قيد وأي شرط وبدون أي تبعات، وبدون أن يترك اثرا يدلل عليه. في عالم كهذا يمكن لفرد قول كل ما يريد قوله، وكتابة ما يريد كتابته ويوجه ما كتبه لكل من أراد بدون أي حاجز. وبالتالي ليس غريبا على الفرد الذي يدخل عميقا في هذا العالم أن يحتاج إلى بعض الوقت بعد دخوله فيه لكي يستحضر من هو ويستحضر من يعرفه في هذا العالم، ومن هي الشخصيات التي يتواصل معها. ونفس الأمر يتكرر وهو يقفل راجعا إلى عالم الواقع الذي نعيشه، فهو بحاجة أيضا لاستحضار شخصيته الحقيقية واسترجاع كل ما يتعلق بالواقع الذي يعيشه. ولو كان ممكنا التحقق، لوصلنا إلى أن الكثير ممن يعيشون واقعا وشخصيات من نوع معين، هم أيضا يعيشون متقمصين شخصيات مختلفة في عالم الإنترنت. عالم كهذا، ليس ممكنا أن يقوم كيان من هنا أو هناك بتقييد منافذه ومرتاديه ومراقبة ما يرد في مواقعه من مادة. وليس ممكنا منع أحد من الاطلاع على ما يوجد فيه. والمتوقع أن تقف التقنية دوما مع التقليص الدائم للحواجز والقيود تلك. فبإمكان الفرد الآن أن يتخطى كل قيود من قبل أي جهة كانت عبر استخدام الأطباق اللاقطة للانترنت. وبذلك يصبح تقييد الاشتراك في مواقع الانترنت التي تقدم خدمة البريد الالكتروني، التي مارستها بعض الدول، وحجب بعض المواقع تحت مسوغات مختلفة شيئا من الماضي. وتصبح ملاحقة المواقع الالكترونية التي توضع عليها قيود أيضا شيئا قد تخطاه الزمن. ويصبح تتبع الأفراد فيما يكتبون وما يقرؤون شيئا من المستحيلات. التفاوت الكبير بين عالم الانترنت المفتوح هذا والذي لا يخضع مرتادوه لقيود ومطالبات اعتدناها في واقعنا، وعالم الواقع الذي يخضع لكثير من الضوابط بل والقيود والخطوط الحمراء المتنوعة يستدعي الالتفات الواعي لكلا العالمين بحيث نصل الى رؤية في الأسلوب الأمثل للتعاطي معهما. فليس سليما أن تبقى القيود والخطوط الحمراء في أحدهما بينما لا نرى لتلك أي أثر في العالم الآخر. وليس سليما أن يتوفر الانفتاح اللامحدود في أحدهما مع غيابه الكبير عن الآخر. وليس ممكنا، لا تقنيا ولا قانونيا، إسقاط قوانين و ضوابط المنع المستخدمة في عالم الواقع إلى عالم الانترنت. ولم يبق من المخارج إلا إسقاط الحالات المفيدة والمثمرة من الانفتاح التي يتمتع بها عالم الانترنت واستثمار فوائدها في عالم الواقع من أجل أن تتقلص الفوارق بين العالمين في سبيل رفع مسببات الانفصام تلك. [email protected]