.. كتبتُ مقالا يوم السبت الذي فات بعنوان " صحيح، كم قيمة بناتنا؟" ، وكان محور الحديث يدور ليصل إلى أن الحشمة، واحترام البدن، هو الذي يضفي القيمة السامية للفتاة (.. والشاب أيضا.)
.. وكان ذلك إجابة عن سؤال لقارئ كنت قد هذبت وصفه فأعدت صياغته كالتالي: "لماذا تصر العائلات السعودية على طلب مهور عالية على بناتهم، بينما أجمل النساء في كل مكان برخص التراب؟" ..
وأحمد الله كثيرا على أن كثيرين لاقت المقالة استحسانا لديهم، وهذا سرني، كما يُسَرُّ الصانعُ بأن يُثنى على مادةٍ من صنعه. إلا ثلاث رسائل، أخذت حيزا من التفكير, ولا أخفيكم، مع وميض حارق من الشعور بالذنب. أستعرض بإيجاز فحوى الرسائل الثلاث بدون أسماء المرسلين:
@ الرسالة الأولى: "كيف يرضى كاتب في مثل حجمكم، وله القاعدة العريضة من القراء والذي أفهم أنه من العادلين المنصفين، أن يرفع قيمة البنت السعودية ويحط من قيمة البنات العربيات الأخريات، ألسن هن أيضا مسلمات؟ ثم إن زوجتى من قطر عربي شقيق ( والمُرسِل ذكر اسم الدولة) وهي من أنبل النساء وأكثرهن تدينا. وهي لم تبدع في تربية الأبناء فقط، بل ربتني أنا أيضا، فأقنعتني بترك التدخين انقطاعا نهائيا، وزادت من حرصي على واجبات وفروض الدين، ومن دماثة تعاملها فإنها المفضلة عند والدتي دونا عن بقية زوجات إخواني السعوديات. لقد ذهلت من ظلمك وحيفك في هذه المقالة.. ولكني أسترجع نفسي، ولن أقول كما قالت زوجتي أني لن أقرأ لنجيب الزامل ما حييت".
@ الرسالة الثانية: " كنت من أشد المعجبات بك، وأنا مقيمة من جنسية عربية (..) ، وأحتفظ بألبوم اسمه ( ألبوم نجيب) به كل مقالاتك حتى أن عندي المئات منها. وأخي طبيب نفسي ويقول سخرية إنك مصابة بعقدة نجيب.. والآن أود لو أقوم بحرق الألبوم، وليت أني لم أمض سنوات في اللحاق بأي حرف تكتبه. صديقاتي حين يعثرن على مقالة لك من أي جهة يحضرونها إلي ويطالبون بالمكافأة. والآن حبي صار بغضا.. ولا أطيق أن أتطلع إلى الألبوم حتى لحرقه. كيف تصف البنات السعوديات بالطهر والعفاف، وغيرهن من باقي البنات العربيات بأنهن من الساقطات غير المحتشمات.. ليتني مت قبل أن أسمع مثالي الحلم ينقلب شيطانا".
@ الرسالة الثالثة:"أنا مقيم عربي (..). بنت على حقيقتك أخيرا أيها المتعنصر. لقد كنت مجرد سحابة زائفة، وأمطرت الآن زقوماً. إن كنت ترى البنات السعوديات شريفات وغيرهن مجرد ..( كلمة خارجة لا يمكن وضعها احتراما للآداب العامة) فإني أضع إصبعي في عينيك، ومن يقول عن ابنتي أو أختي أو أمي الشريفات الطاهرات المسلمات ما يسيء.. وكأن على السعوديات ريشة، ونحن وربنا يعلم. طيلة الوقت كنتَ مجرد قرص عسل محشوا بالسم الأسود".
أترون مبعث عقدة الذنب؟ ولن ألوم هؤلاء الذين أذاقوني كلاما يدمي القلب، بل ألوم نفسي، فلا شك أني أخطأت في موقعٍ ما، أو أني لم أوضح بجلاء. فإذن، أنا صانع أساء في مادة صنعه.. وعلي أن أرتـُقَ ما خرقتء. ليعلم القراء أني ما كتبت ذاك المقال، إلا لما تذكرت السؤال، بعد أن رأيت النساءَ في الشارع المصري محجبات. ولما رأيت كيف أن الإسلام يسري في الشارع المصري كما تسري الكهرباء، وفي محاضرة غصت القاعة بالنساء المحجبات، وقلت صادقا غير مجامل للحضور " ما أراه في القاعة من حشمة، لم أعد أراه حتى في الخليج ". وذكرت ذلك في مقال "مقتطفات الجمعة" الفائت بجريدة الاقتصادية. ولقد كان خطئي تهذيب سؤال من سألني فهو كان يقصد بالنساء "في كل مكان" أولئك الوافدات اللاتي يتسكعن يعرضن الجسد بخسا للخطيئة والحرام. ولقد ذهب قرائي الغاضبون إلى أن المقصود - أكرمهن الله- البنات الأخريات في الدول العربية. قصدتُ "ببناتنا" كل فتاة مسلمة ولم أحدد السعوديات. وإن كان السؤالُ حدد العوائل السعودية.
وبعد إعادة قراءتي للمقال، وجدت أن البعض قد يجد له تحويرا بمن فيهم الغاضبون. أعيد وأقول إني ربما أسأت في صنعتي.. وأعيد آسفا الإيضاح بأن كل بنت تحتشم وتقدر كيانها ( وكل رجل أيضا) وأذهب أبعد من ذلك، وأقول: حتى لو كانوا من غير المسلمين، فإنهم يستحقون احترامي وتقديري.
.. والآن هل سيُصفـَح عني؟ هل ستعاود الزوجة ُالرائعة ُالقراءة َلي؟ وهل سينجُ "ألبوم نجيب " من الحرق؟ وهل سيرفع الثالثُ إصبعَه من عيني؟
أتمنى ذلك!
[email protected]