أخبار متعلقة
عقدت ورشة الزيتون الابداعية ندوة لمناقشة رواية "موسيقى المول" للروائي محمود الورداني. ناقش الرواية د. شاكر عبد الحميد، د. ثناء أنس الوجود، الروائي فتحي إمبابي، الشاعر شعبان يوسف، أدارت الندوة د. حنان الديناصوري.
الدكتورة حنان الديناصوري بدأت الندوة بإلقاء الضوء على الرواية التي كتبت في الفترة ما بين 2002 وحتى 2005، وتدور في أجواء فانتازية أو مناخ كابوسي منذ دخول الراوي إلى المول المكافئ للحياة، كما تكشف الرواية علاقة المثقف بالسلطة والتوقع الدائم للبطش.
د. شاكر عبد الحميد قال: إن الرواية بها أبعاد كثيرة مما يصعب تناول جميع الجوانب، فالرواية كما يرى بها رصد عميق لثقافة الاستهلاك واستهلاك الثقافة، حيث يفرد الكاتب رواية بهذا المستوى العالي لعالم المول شبه الليلي وشبه النهاري، ويلعب هذا العالم دوره في إثارة التوقعات وإشباعها، وحالة وتوقع الأفراد للثواب والعقاب، الراوي منبهر بهذا العالم، وهذا الانبهار به حيلة فنية لرصد العالم المتداخل كمتاهة.
تبدأ متاهة المول بانجذاب الراوي للموسيقي التي تدخله إلى المول، تستمر المتاهة بالمصاعد الكهربائية صعودا وهبوطا والدهاليز، والأفراد الداخلون يستمرون بهذه المتاهة حتى تنتابهم الثقة والتي تمثل في حد ذاتها آلية يفرضها المول، بالمدخل تمثالان كبيران تتغير ملامحهما بتغير الاضاءة. الراوي رغم انبهاره يعاني من الانسحاق في جو أشبه بالمحاكمة لكافكا، يكتشف الراوي أنه في مأزق فيسترجع أحداث حياته، كيفية كونه منصاعا لا ينتقد أو يتعارض مع السلطة السياسية.
في الرواية ما يشبه الرواية الكابوسية لعالم الموت، وقد عزم الراوي على الافلات من سطوتها، وهناك ما يشبه الفخ الدائم والعودة المتكررة إلى المتاهة. المول مغلف بغموض شنيع، كاميرات التحديق، جثة رجل ميت، وفي الغموض نفسه يقام مؤتمر ثقافي يناقش أثر التطور على الأغاني الشعبية والاستعراض نفسه، الفرق الشعبية الراقصة روسية، يستغرق الراوي في النوم، ويحلم بالهروب من هذا العالم الاستهلاكي ويستعيد بعض التيمات الشعبية، مثل ألف ليلة وليلة الاستدعاء يصنع الواقع الموازي، مما كون رحلة بها مستويان داخل الأحلام وداخل المول، يتواجه هذان المستويان مع بعضهما، المعجزات والخيال والجسارة في قصص السندباد أمام الراوي المنسحق.
ويختتم د. شاكر عبدالحميد قراءته للرواية بالتأكيد على أن الرواية تكاد تكون منقسمة إلى قسمين قسم المخزن وقسم المول، والمخزن أشبه بسجن يحتجز به من يتجرأون على سطوة المول، المحتجزون منتقون بعناية، طالب ناشط سياسي، شخص ينتمي لجماعة اسلامية وزوجته، خواجة متهم بقضايا تهريب آثار، ولواء مشكوك في قتله للطالب.
الراوي لم يدفع فانتهك سطوة المول فحبس، وأضاف إن الرواية بها حضور خاص لصنم الاستهلاك، حيث وجد السلوك الاستهلاكي مبتغاه في فكرة المول، المول صنم بما يعني ترجمة تقريبية (للفيتش) يصف عبادة أفراد القبائل لرموز الحياة الطبيعية، وفي الرواية طغت الصورة والأزياء حيث يختلطان بالثقافة والعلم والجنس.
اما د. ثناء أنس الوجود فقد اتفقت مع حديث دكتور شاكر، ودخلت من جزئية العنوان فالموسيقى هي أشبه بعزيف الجان وكابوسية مرتبطة بالارتطام والصراخ وستلغي أية رومانسية للداخل إلى النص، والغبشة التي أحدثها المطر وانعدام الضوء سيؤثران على الاحداث، وأضافت أن الرواية تمارس قصدية شديدة، كل ما فيها مقصود بذاته، بضمير المتكلم لا يزحزحه أي راو آخر، ولا يمكن أن يمارس السرد راو آخر لأن ما يقدم من سرد متعلق بالرؤية الخاصة للراوي، وهو شخصية غير سوية، وهذا ما أكدته عند حديثها عن التناص الثري مع ألف ليلة وليلة.. قصة حمال بغداد وانهيار العوالم الأصلية والمتداخلة من أحلام وقصص في لحظة من اللحظات لتجد انك أمام سرد متشظ، لذا لابد أن يكون الراوي شخصية غير سوية. وأن الشخصية لو كانت سوية لأحدثت صدامات أكبر مع الواقع. الفضاء الروائي بيئات مختلفة، سكة حديد، زراعية، صحراوية، بحرية، ويبدو منبتا عن كل شيء رغم جمعه لكل شيء، القهر يتمثل في اجبار الراوي على شراء نظارة أطفال لمجرد نظره اليها، إدانة لكل الايديولوجيات، فكل أفراد السجن مدانون رغم اختلاف انتماءاتهم، حيث ان كل شيء مدان وكل تلك الكوابيس، الزمان والمكان، رغم أن المكان محدد بشكل ما، الا أن الزمان واضح تماما منذ حرب الكويت.
د. ثناء في حديثها عن الكوابيس والإدانات قالت ان الكاتب لم يعط أي منفذ ضوء ورد عليها د. شاكر بأن ذلك سيحدث في الرواية القادمة.
اما الروائي فتحي إمبابي فقد بدا أنه حائر في تحديد موقفه من الرواية، الراوي مهووس أو قد تكون عزة زوجته هي المهووسة، قال امبابي: النص يتسم بالتشظي. كما أشار إلى أن الحوار يفتقد الضبط، وتساءل عن علاقة البداية بالنهاية.
الشاعر شعبان يوسف ربط الرواية، بالمحاكمة لكافكا حيث يقبض على البطل أو الراوي أثناء الانتقال، نعرف ان شعبان يوسف بعد فترة، ولم يظهر الاسم إلا مرتين، يقاطعه د. شاكر من منطلق أنه يختلف معه على الربط بين النصين، ويكمل شعبان حديثه بأن فكرة التشظي غير مطروحة فالتشظي يتم من راو عليم من خارج الرواية لذ فإن النص بعيد عن التشطي، وضع الراوي في المول كما لو كان في العالم بأكمله، العالم واضح، النص معبأ بقدر كبير من الرمز تكثر تأويلاته، الراوي يقع في فخاخ لانهاية لها، يفقد القدرة على حساب الايام لتشابهها.
كما قدر الكاتب على نزع الألفة عن العالم الذي نعيشه، واختتم بأن العالم يحتاج إلى كل هذا القدر من الكوابيس على العكس من دكتورة ثناء.
وبعد تعليقات مختلفة للحضور بدأ محمود الورداني حديثه بأنه تعرف على تفاصيل لم يلحظها من قبل، وأضاف ان الرواية لا تحدد بالمنطق الواقعي بل بما تفرضه من منطق، فالرواية مازال الحديث للورداني قائمة على الالتباس الدائم كل شيء حدث أو لم يحدث، الالتباس الذي أعيشه في الحياة اليومية، وقد وظف فنيا، ثم رفض فكرة الاحالة إلى الرمزية قائلا (أنا ضد الرمز الخشن).. واختتم حديثه معتذرا عن تحمسه بأنه على القارئ أن يصدق منطق الرواية.
وعلق محمود قرني على حديث كاتب الرواية بأن الالتباس ظهر في حديث الزملاء، وهناك رفض للإدانة، ولا يجب أن نتجاهل مازال الحديث لقرني المنطقة التي وفد منها الكاتب حيث انه ابن جيل مختلف أكثر جرأة وانحيازا.
وأضاف إن الورداني ابتكر شكلا بالأساس هو حيلة من خلالها يوسع الطريق للمعنى، فالمعنى المراد طرحه لا يسرب بالشعارات بل عبر التركيب، هناك إلتباس في الاحداث حدثت أم لم تحدث، الرواية شبيهة بالعصر تمتعت بالقدرة على خلق واقع مواز يدين الواقع، ولا يقيني في عدم إدانته، الحيلة يقصد الشكل التي تكشف تملل الكاتب من الشكل الكلاسيكي، بما يجدد طاقته الابداعية.
الجمهور يتابع الندوة