أخبار متعلقة
تشابكت خيوط المجتمع وتعقدت مسارات الحياة اليومية
وخلفت عادات سلبية نتائج وخيمة حطت بظلالها على أفراد المجتمع حتى تعدت أرقام العنوسة الحدود الفاصلة للمعقول وباتت البيوت مكتظة بنساء يبحثن عن بيت الزوجية. ونادي حكماء المجتمع واصحاب العلم والمعارف بحلول سريعة تعين الشباب والشابات على بناء عش الزوجية بعد ان اقر الجميع بهول المشكلة ومخاطرها الكامنة. وقامت مؤسسات تيسير الزواج والحلول البديلة لقهر العجز المادي والغلاء الفاحش في ظل المدخول اليسير والرواتب الضئيلة وسعى المهتمون بتهيئة الأجواء واحياء الزواج الجماعي ومازالت المشكلة تلوح بأهدابها. وقبل سنوات دوت فى المسامع طريقة زواج (شرعية) سميت زواج المسيار الذي تعتمد فلسفته على اركان الزواج الشرعي بوجود الموافقة والقبول ورضا ولي الأمر والتوثيق القانوني والتسجيل المدني ودفع المهر والاعلان الا ان الزوج يعفى من اقامة الزوجة معه بشكل دائم. وساق المشرعون لهذا الزواج مبررات عدة تعود في مجملها لحل معضلة العنوسة وتخفيف الاضرار على المرأة بحيث تحقق الحد الأدنى من حقوق الزوج. في المقابل يسعى الكثيرون الى هذه الطريقة التي تقلل من وطأة المسؤولية وتعد من انواع التنفيس الشرعية وبالرغم من حنق بعض السيدات حول هذا الموضوع تظل القضية موضوع جدل تبحث في اغوار المسكوت وتستبطن الخلفيات للوصول الى المصلحة العليا للمجتمع بغض النظر عن المصالح الفردية او الاخطاء المرتجلة والتطبيق المخالف.
بين الفينة والاخرى تطالعنا وسائل الاعلام بخبر رغبة بعض السيدات في الزواج بهذه الطريقة لظروفهن الخاصة وما ان ينشر الخبر حتى ترن هواتفها من الفضوليين واللاهين والجادين.
وكانت ضمن الباحثات عن زوج ثلاث سيدات (سيدة أعمال ومعلمة وربة بيت) يردن زوجا صالحا يكملن معه مسيرة الحياة دل ذلك كله على رغبة مكنونة وقف المجتمع بصرامته وعاداته الجافة حائلا دون كشف النوايا واظهار الرغبات في حدود الشريعة الاسلامية وتعاليم ديننا الحنيف.
ولمعرفة جوانب اخرى شارك عدد من المختصين والمهتمين وشريحة اخرى من المجتمع بين سيدات ورجال لتفحص ابعاد القضية ومعرفة جوانبها الاخرى.
انماط الحياة
يقول راشد الكعبي: إن زواج المسيار طالما يقع في حدود المشروع فإنه يحظى برغبة الكثيرين من النساء والرجال لما يحققه من اهداف تقتصر على صور من انماط الحياة التي تكالبت عليها ظروف خاصة.
ويرى الكعبي ان المرأة يلحق بها الضرر من جراء تأخر الزواج حيث تعد العنوسة الخطر الأكبر الذي يهدد حياتها بالمخاطر اضافة الى أنه قد تكون هناك ظروف خاصة يوضع المرأة واسرتها او حتى الرجل فيحل زواج المسيار بديلا ناجحا للقضاء على المشكلة وان كان لا يحقق كل الرغبات في ابناء اسرة مستقرة.
ظلم وإجحاف
وتعدت نظرة الخاطبة ام فارس حدود الزواج واجراءاته الى وضع الاسرة القائمة على زواج المسيار والابناء الذين ينجبهم هذا الزواج.
ورأت ام فارس ان المخاطر تكمن في حالة الانجاب حيث تشير الى ان بعض الرجال المتزوجين بـ)المسيار) يلجأون الى الطلاق اذا انجبت المرأة وهذا ظلم واجحاف في حق المرأة ومصير ابنائها لان التي تقبل بهذا الزواج بسبب ظروف خاصة وعندما تصطدم هذه الرغبة بأنانية الرجل تنطلق شرارة الفراق الاولى.
ودعت ام فارس الراغبة في الزواج الى رسم الصورة كاملة امام المتقدم حتى تكون على بينة (فما كان اوله شرط كان آخره سلام) على حد تعبيرها.
اجتثاث العادات
وعارضت سلوى الغالب زواج المسيار جملة وتفصيلا حيث قالت: اذا كانت هناك مشاكل اجتماعية ادت بالمرأة الى التنازل عن حقوقها من اجل الزواج فيجب ان تعالج اخطاء المجتمع وتجتث عاداته السيئة من جذورها.
وعددت الغالب اسباب انزلاقات المجتمع على حد قولها في التخلي عن العهود الازلية التي تبنى على وفاق الاهل دون رضا الطرفين في الزواج كزواج بنت العم او من نفس العائلة ويكون الخيار الافضل قاعدة الاسلام (من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) اضافة الى تنازل الاهل عن اشتراط المبالغ الفاحشة في المهر والمباهاة في الزواجات والاعراس وفق امكانية الزوج وظروفه المالية.
ودعت الفتاة الى التنازل عن فارس الاحلام والذي تشترط فيه المواصفات الخيالية مؤكدة ان الزوجة الناجحة من تصنع الفارس وكذلك الالتفات الجاد الى عقارب الزمن وعدم الانجراف الى نيل الشهادات والدراسات على حساب سنوات العمر التي تمضى لان هناك نماذج من الناجحات دراسيا من اكملت مشوارها في بيت الزوج.
شجاعة كافية
ويروي حامد الحميدي تجربة احد اقاربه والذي تزوج بالمسيار الثانية حيث يقول: كان يذهب اليها خلسة من وراء زوجته في فترة العصر ولم تكن لديه الشجاعة الكافية لاعلان الزواج واخبار شريكة حياته الاولى ولمداراة ذلك لم يسجلها في دفتر العائلة وجاءت له بولدين غير مضافين لديه وعلق الحميدي قائلا: مثل هذا التصرف يحدث مشاكل عدة فكيف تستطيع المرأة وابناؤها اثبات حقهم ونسبهم اذا لم يسجلوا وحدث لزوج مكروه لا سمح الله.
وتخوف الحميدي من حدوث مشاكل اجتماعية في مثل هذه الحالات من حيث ان الرجل يدخل البيت غريبا ويخرج غريبا وهو امر مرفوض.
البكر الصغيره
وذهب سليمان الحليلي الى امكانية زواج المسيار للعوانس والارامل والمطلقات اما البنت البكر صغيرة السن فانه لا يرى اقدامها على هذه الخطوة معللا ذلك بان تنتظر نصيبها بزواج واضح ومعلن ولاتستعجل في اتخاذ مثل هذه القرارات.
وتطرق الحليلى الى ضياع فرص الزواج بانقضاء السنين والمرأة تركض وراء الوظيفة والعمل والشهادات الجامعية او احيانا اختيار بعض المهن التي لم يتقبلها المجتمع بشكل نهائي حتى الآن وخاصة المهن التي تختلط فيها المرأة بالرجال بشكل مباشر كالطبيبة والصيدلانية والممرضة او تلك المهن التي تتطلب الحضور في اي وقت حتى انصاف الليالي.
يقول الدكتور مسفر علي القحطاني رئيس قسم الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الملك فهد احتلت قضية (زواج المسيار) مساحة كبيرة من الجدل والنقاش حول مفهومها العرفي وحكمها الشرعي ومما جعل هذه القضية تأخذ الصدارة من الاهتمام الشعبي المتغيرات الكثيرة التي طرأت على مجتمعنا خاصة في مجال الاحوال الشخصية اي قضايا الزواج والطلاق والعشرة الزوجية، فالمجتمع السعودي بدأ يعاني في الفترة الاخيرة من تزايد معدلات الطلاق والعنوسة وصعوبة التكيف مع متطلبات الحياة الزوجية، مما ولد ظواهر اجتماعية كان من اهمها (زواج المسيار) ولهذا سأتكلم عن هذا الزواج من خلال مفهومي له وربما هو السائد في اوساط بعض الناس، فالمقصود من المسيار هو (الزواج المستوفي الشروط الشرعية المعتبرة والمعلن بين الناس غير ان المراة تبقى في بيتها او بيت اهلها تنازلا منها لحق النفقة ويأتيها زوجها من غير قسم لها في المبيت).
ان تحديد مصطلح (زواج المسيار) من خلال النظر الشرعي له اهميته القصوى بحيث لا يترك لأهواء العامة يفسرونه كما شاؤوا وهذا التحديد ربما يردم هوة الخلاف بين كثير من الفقهاء الذي تكلموا في حكمه وناقشوا مسائله.
ولعلي اذكر بعض اهل العلم الذين اجازوه بضوابطه الشرعية: فمن الذين قالوا بإباحته: فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- فحين سئل عن زواج المسيار والذي قيل فيه: يتزوج الرجل بالثانية أو الرابعة، وتبقى المراة عند والديها، ويذهب اليها زوجها في اوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما، اجاب رحمه الله:)لاحرج في ذلك اذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعا، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على اجراء العقد وسلامة الزوجين من الموانع، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:)أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) (رواه البخاري) وقوله صلى الله عليه وسلم:)المسلمون على شروطهم) فإن اتفق الزوجان على ان المرأة تبقى عند اهلها او على ان القسم يكون لها نهارا لا ليلا او في ايام معينة او ليالي معينة، فلا بأس بذلك بشرط اعلان النكاح وعدم أخفائه).
ومن الذين قالوا بإباحته ايضا: فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس ادارة البحوث العلمية والدعوة والارشاد حيث اجاب سماحته عندما سئل عن حكم زواج المسيار:)إن هذا الزواج جائز إذا توافرت فيه الأركان والشروط والإعلان الواضح، وذلك حتى لا يقعان في تهمة وما شابه ذلك، وما اتفقا عليه فهم على شروطهم) ومن الذين قالوا بإباحته أيضا: فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - عضو هيئة الإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية - حيث قال:)اعلم أن هذا الاسم مرتجل جديد ويراد به أن يتزوج امرأة ويتركها في منزلها ولا يتلزم لها القسم ولا بالمبيت ولا بالسكنى وإنما يسير إليها في وقت يناسبه ويقضي منها وطره ثم يخرج، وهو جائز إذا رضيت الزوجة بذلك، ولكن لابد من إعلان النكاح مع الاعتراف بها كزوجة لها حقوق الزوجات ولأولاده منها حقوق الأبوة عليه).
وكذلك ورد عن دار الإفتاء المصرية ما يدل على جوازه حيث نصت الفتوى على ما يلي:)أن زواج المسيار إن تحققت فيه هذه الشروط والأركان، وهي الرضا الكامل من كلا الزوجين، والصيغة التي تدل على التأييد، والولي من قبل الزوجة، والشهود التي تتوافر فيهم الأهلية الكاملة للشهادة، والإشهار والإعلان بشتى الطرق - فهو زواج صحيح بصرف النظر عن مسماه ما دام أنه غير محدد بمدة لما يأتي:
1- لقد جعل الله الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، وأنزل على رسولها دستوراً فيه سعادة للبشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وجعلها تساير كل زمان وكل مكان، وما يعن للبشرية من شيء إلا وجدته في كتابها الكريم "ما فرطنا في الكتاب من شيء".
ولفظ المسيار له أصل في التاريخ قديما وحديثا، فمن يتابع الرحالة الأوائل من المسلمين يجد أن بعضهم قد يحل ببلدة طلبا للعلم أو المال، ويمكث بها فترة تطويل أو تقصر ويتزوج من هذا البلد، ويولد له، ثم بعد ذلك يتابع هجرته، ويرحل إلى بلد آخر إكمالا لمسيرته تاركا زوجته وأولاده إما بطلاق أو بغيره، وتوافق زوجته على ذلك.
2- هناك طريق واحد لا ثاني له يسمح بالغريزة الجنسية أن تنطلق وتتحرك من مكانها، هذا الطريق هو الزواج الشرعي، وكل ما عداه منعته شرائع الله في جميع الأديان وعدته من المسالك المنكرة.
ولقد بين القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى:)والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (المؤمنون: 5-7(.
فبينت الشريعة الإسلامية أن الزواج الشرعي هو الذي يجمع بين الذكر والأنثى بكلمة الله على عقد دائم وميثاق غليظ، وكل وطر يقضى بعيداعنه فهو عصيان الله واعتداء على حدوده سبحانه وتعالى.
3- من حق المرأة في الإسلام أن تتنازل عن حقوقها المقررة لها شرعا، ومنها النفقة والمسكن والقسم في المبيت ليلا فلقد ورد في الصحيحين ان أم المؤمنين سودة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنهم، ولو كان هذا غير جائز شرعا ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم،وكل شرط لا يؤثر في الغرض الجوهري والمقصود الأصلي لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يخل بعقد الزواج ولا يبطله.
هذا ودار الافتاء لم تقصد من كل هذا ان تحث الناس على مباشرة هذا النوع من الزواج وانما تعمل جاهدة على بيان الحكم الشرعي الصحيح في بناء على دليل من الكتاب والسنة، وما ثبت لديها من فقه الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب الفقهية الإسلامية قديما وحديثا.
ندعو الله - سبحانه وتعالى - أن يفقهنا في أمور ديننا ودنيانا وينفعنا بما علمنا، انه على ما يشاء قدير، وهو بالاجابة جدير.
ومع كلام بعض اهل العلم في جوازه الا انه ينبغي التحرز من فتح بابه من غير ضوابط اخرى تحميه من عبث العابثين واستهانة المتلاعبين حتى لايكون سببا لأمراض ومشكلات اجتماعية اخرى او عزوفا عن الزواج العادي، ويصير الزواج وكأنه متعة فقط، ولا ننسى ان العقد في الزواج ليس كغيره من العقود، فهو يتعلق بالابضاع وقواعد الشرع تؤكد ان :)الاصل في الأبضاع التحريم)، (وإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة) لذا يجب الاحتياط في أمر الزواج ما لا يحتاط في غيره، ولذا تبقى الشبهة قائمة في زواج المسيار، والمنافع منه مرهونة بمدى صدق وعدل وإيمان الزوج في تحقيق شروط ومقاصد الزواج كما أرده الشرع الحنيف. ومما يجعل أمر التطبيق هو اساس نجاح هذا الزواج وسوء التطبيق له هو المحك الحقيقي لفشله وتخوف المسلمات منه، ما جاء في التقرير الذي اعدته مجلة الأسرة تحت عنوان (زواج المسيار في عيون السعوديات).
ام فارس