DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

نداءات باريس

نداءات باريس

نداءات باريس
أخبار متعلقة
 
كنت أحب أن أواصل حديثي الذي بدأته قبل أسبوعين حول النقد؟ والحديث حول النقد ذو شجون؟ لكني وجدت نفسي في باريس أقضي بعض المصالح التي ظننت أنها ستستغرق وقتي كله وستصرفني لا محالة عما تعودت أن أشهده في باريس وأهتم به? ومن هنا قدرت أن رحلتي هذه لن تحول بيني وبين مواصلة الحديث الذي بدأته؟؟ لكني ما كدت أتمثل باريس التي أعرفها وأستعيد وعيي بها وأندمج من جديد في إيقاعات حياتها اليومية حتي استسلمت لها وعدت فيها سيرتي الأولي؟ وكيف كان بوسعي أن أتجاهل ما تحفل به مدينة النور في هذه الأيام بالذات من نشاط متنوع هادئ وصاخب يحاصر الزائر العابر كما يحاصر الساكن المقيم ويأخذ بتلابيبه كما كانت عرائس البحر في الأوديسة يحاصرن عوليس ورجاله بنداءاتهن الشهية وأغانيهن الساحرة؟ يكفي أن يدفعك الفضول الى بداية من البدايات حتى تجد نفسك في متاهة رائعة أخاذة من الصور والأفكار والعروض والألوان والندوات واللقاءات يسلمك بعضها لبعض فلا تستطيع أن ترجع للبداية ولا تستطيع أن تصل للنهاية؟ وفي هذا العام كانت باريس تحتفل ومعها العالم كله بمرور مائة عام على ميلاد الفيلسوف الشهير جان بول سارتر؟ فهل تحب أن تعرف كيف يحتفل الفرنسيون بأدبائهم ومفكريهم؟ ندوات فكرية ومحاضرات ومهرجانات تملأ العالم وتنتشر في مدن فرنسا حول فلسفة سارتر ومسرح سارتر والتزام سارتر وآرائه في الأدب والفن والسياسة والأخلاق وموقفه من السوفييت والأمريكان وزياراته لموسكو وكوبا ومصر وغزة واسرائيل? فضلا عن الندوات التي انعقدت ولا تزال تنعقد حتى نهاية العام في إيطاليا وإسبانيا وسويسرا وغيرهما من بلاد العالم? ومنذ بداية العام صدر عن سارتر أكثر من عشرين كتابا في فرنسا منها على سبيل المثال معجم كامل خاص به يعرف القارئ بكل اسم وكل فكرة وكل واقعة لها علاقة بسارتر بادئا من أول حرف في الأبجدية الفرنسية منتهيا إلى آخر حرف فيها? وقد بلغ عدد هذه التعريفات ثمانمائة تعريف كتبها ستون باحثا مختصا بسارتر وعالمه? ومن هذه الكتب مفهوم الوجود عند سارتر لفرانسوا موجارلون و سارتر مفكر للقرن الحادي والعشرين لآني كوهن سولال و كامو وسارتر صداقة ومعركة عدا ما أصدرته الصحف والمجلات الفرنسية والأجنبية من أعداد خاصة وملفات ومنها المجلة الأدبية والمجلة الدولية للفلسفة والتاريخ وصحيفة لوموند ومجلة المكتبة الوطنية. وليس المهم في هذه الاحتفالات كثرتها وتعدد صورها وإنما المهم ما يقدم فيها وما يقال فسارتر هو موضوعها لكن الفرنسيين هم الهدف المقصود منها. أعني أن الاحتفال بسارتر أو غيره يتخذ مناسبة لتأمل التاريخ ومراجعة أحداثه والبحث فيه عن الحقيقة وتصحيح النظرة والاستفادة من الأخطاء والتجارب, لهذا يشارك الجميع في الاحتفال فيعترفون لسارتر بما أنتجه من أعمال قيمة وما اتخذه من مواقف مشرفة لكنهم لا ينزهون سارتر ولا يبالغون في تمجيده ولا يتسترون على ما وقع فيه من أخطاء بل يتساءلون عن وجه الحق في كل ما يتصل به ويروى عنه وهل كان دائما على حق أم كان مخدوعا في بعض الأحيان وهل كان فيلسوفا كبيرا كما يعتقد أنصاره الكثيرون؟ أم أن شهرته أكبر منه؟ وأمس دعاني الشاعر الفرنسي ميشيل دوجي وهو أحد المعاصرين الفرنسيين الكبار إلى قدح من القهوة في الدوماجو بسان جرمان فلفت نظري إلى الاسم الجديد الذي أطلقته عمدية باريس على الميدان الذي يطل عليه هذا المقهى الذي طالما التقى فيه سارتر بأصدقائه وتلاميذه ومحبيه لقد أصبح اسمه ميدان سارتر بوفوار وبوفوار هي سيمون دوبوفوار الكاتبة الشهيرة ورفيقة حياة الفيلسوف الشهير. غير أني فوجئت بمنحوتات غريبة وزعتها عمدية باريس في هذا الميدان الذي يقع في قلب الحي اللاتيني العريق أنصاب قميئة بشعة من الدوائر والمستطيلات والمثلثات التي لونها صانعها بالاحمر الصارخ والأزرق القاتم والأسود الغطيس وقد ذكرتني بالقلل القناوي الرخيصة التي كانت محافظة القاهرة قد جملت بها الساحة الواقعة أمام المتحف المصري في ميدان التحرير.