يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان عادة وفي جسمه كليتان تدومان مدى الحياة وتقومان بعمل مهم ودقيق للغاية بحيث لا يمكن الاستغناء عنه، الا وهو تصريف الماء والفضلات الزائدة عن حاجة الجسم، فبدونها يغرق الجسم بتلك الفضلات والماء الزائد فينتج عنها موته. تسكن الكلية في أسفل الظهر في تجويف البطن منفصلة عن الأمعاء ويصلها الدم من الأبهر ( الشريان الكبير الذي يخرج من القلب) عند وصوله إلى البطن عن طريق الشريان الكلوي. ويتوزع الدم داخل الكلية في أوعية أصغر وأصغر من الشريان الكلوي حتى تصل هذه الأوعية في دقتها إلى سماكة الشعرة فتدعى الأوعية الشعرية. وبعد ذلك تدخل في مرشحات خاصة بالكلية يتم فيها ترشيح البول بدقة متناهية تدل على عظمة الخالق. ثم يجري البول في أوعية تكبر وتكبر حتى تصب في حويضة عند سرة الكلية لتصل إلى الحالب, بعد ذلك ثم إلى المثانة. وأثناء جريان البول في هذه الأوعية الصغيرة وحتى يصل إلى حويضة الكلية يتم عليه عمليات تعديل لتكوينه من افراز مواد اخرى حيث ان الاوعية ليست صماء بل هي اوعية مبطنة بخلايا تعمل طول الوقت وتقوم بمهمة امتصاص وإفراز للفضلات وتعديل تركيزها حتى تصل إلى البول الذي نعرفه. ان الكلية لا تقتصر في عملها على سحب البول من الجسم ( والبول هو ماء زائد عن الحاجة وأملاح زائدة عن الحاجة وفضلات لاستقلاب الطعام) وإنما تقوم بأعمال هامة أخرى كإفراز هرمونات كثيرة مثل هرمونات تصنيع الدم والذي لولاه لأصيب الإنسان بفقر الدم وهذا ما يحصل عندما تفشل الكلية في عملها وتمرض فيصاب الإنسان بفقر الدم. وتقوم الكلية أيضاً بإفراز هرمون مهم في صنع العظام وهو (فيتامين "د" المفعل) وبدونه يصاب الإنسان بضعف العظام ويصبح معرضاً لكسر العظام كما يحدث أيضاً في مرضى فشل الكلية. والكلية تقوم بإفراز هرمونات هامة ( لتنظيم ضغط الدم) والحفاظ عليه وبدونها يهبط الضغط وإذا زادت كميته ارتفع الضغط ارتفاعاً شديداً. لذا فإن الكلية ليست مجرد مصفاة للجسم بل هي عضو ينبض بالحياة وغدة لها أهميتها وتكفي أهمية هذا العضو في أنه بزواله وزوال عمله يمكن للإنسان أن يموت. ورغم وجود آلات تسمى الكلية الصناعية وقيامها بترشيح الفضلات والماء الزائد لكن عملها لا يتناول تعديل البول مثل الكلية الأصلية وبالطبع لا تستطيع الكلية الصناعية أن تفرز أية هرمونات. فسبحان الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم. ان من أهم الأمراض وأكثرها شيوعاً التي تؤدي إلى الفشل الكلوي المزمن وهي داء السكري وارتفاع ضغط الدم. إلا أن هناك العديد من الأمراض الأخرى كإلتهاب المجاري البولية المزمنة وإنسداد المجاري البولية نتيجة الحصى البولية أو تضخم غدة البروستات إضافة إلى الالتهابات المناعية في الكلى. ونظراً لتعدد الأسباب والأمراض ومراحلها المختلفة المؤدية للإصابة بالفشل الكلوي ونتيجة لأعراضها وعلاجاتها المتنوعة التي تجعل من الضروري أن يسأل المريض طبيبه المعالج والمختص عن إمكانية الصوم من عدمه. إلا أنه من الضروري أيضاً لمريض الكلى التقيد التام بتناول العلاج وأخذه أثناء السحور وبعد الإفطار لمن يستطيع الصيام، إضافة إلى تجنب - ما أمكن - المأكولات الزائدة الملوحة لتفادي حدوث ارتفاع في ضغط الدم وزيادة الوزن باحتباس السوائل في الجسم، وكذلك فإن هناك أعداداً كبيرة من المرضى يعانون داء الحصيات الكلوية أو تكرار حدوثها، وهذه الفئة من المرضى تحتاج إلى معدلات عالية من شرب السوائل، إلا أنها تتأثر بنوعية المأكولات وبشكل خاص المأكولات الغنية بالأوكسالات كالملوخية والمكسرات والكالسيوم والكميات الكبيرة من البروتينات كاللحوم. لذا فإنه عادة ما يكون هؤلاء المرضى على حمية غذائية معينة والتي يجب الالتزام بها أكثر أثناء شهر الصوم مع ضرورة شرب الكثير من السوائل وبمعدل لا يقل عن ثمانية أكواب أثناء الليل وتجنب الكميات الزائدة من الملح بهدف منع تكون حصيات كلوية خلال فترة شهر رمضان المبارك. الجدير بالذكر أن هذه الإرشادات تنطبق على المرضى الذين لديهم وظيفة كلوية طبيعية والتي تتلخص في ضرورة متابعة العلاج والأدوية خلال شهر الصوم وتنظيمها على فترتين بعد الإفطار واثناء السحور وكذلك مراعاة نوعية الطعام والسوائل أثناء فترة الليل.
@@ د. أيمن كركر
استشاري أمراض الكلى
