DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

من اعمال صالح رضا

المعرض الاستعادي لنصف قرن للفنان: صالح رضا

من اعمال صالح رضا
من اعمال صالح رضا
أخبار متعلقة
 
يعد صالح رضا من الفنانين متعددي المواهب، فقد مارس الرسم بالالوان الزيتية والباسيتل منذ مستهل حياته الفنية فور تخرجه مباشرة، ثم تنوعت تجاربه الفنية بين الخزف والكولاج والنحت بخاماته المختلفة، وكان له في فروع الفن تجربة فنية وحياتية، اختلط فيها التصوير بالكولاج، والباستيل باللوحات المطبوعة بطريقة الـ "مونتيب" وتزاوج النحت بالخزف الزلطي.. وكانت اغلب المراحل الفنية عند رضا تستلهم قاعدتها الاساسية من الموروث القديم والشعبي.. وظل محافظاً على تلك الصفة حتى اليوم، الأمر الذي صبغ اعماله بالمحلية والعالمية في آن واحد. ومما لا شك فيه ان تلك الممارسات الفنية في المجالات المختلفة عند صالح رضا واعتماده بشكل مؤكد على الآثار المصرية القديمة والشعبية في استلهام موضوعات اعماله.. مع خبراته المتراكمة عبر خامات مختلفة.. تلك - في رأيي - هي القناة الوحيدة التي أهلته.. ورشحته للفوز بجائزة الدولة التقديرية هذا العام في القاهرة من قبل وزارة الثقافة. وقبل شهور مضت.. وتحديداً في فبراير من هذا العام اقام الفنان صالح رضا المعرض الاستعادي الشخصي لنصف قرن من الزمان بمجمع الفنون بالزمالك ثم بقصر الفنون بالاوبرا.. وبعدها انتقل المعرض إلى متحف الفنون الجميلة بالاسكندرية ويقول الفنان: "قد يظن البعض ان الفن - هو انعكاس لهذا الواقع الذي نعيشه!!! ولكنه: في الحقيقة ليس هو هذا الواقع نفسه، وبقدر ما يعطيه الفن في رسم خطى المستقبل - حيث ان الفن في صورته الحقيقية: هو ما بعد الواقع - وليس الواقع نفسه، وان لم يكن الفن هو حلم المستقبل - فكيف يعيش الانسان بدون هذا الحلم في تغيير واقعه الذي يعيشه". ومن واقع هذا المعرض الاستعادي للفنان رضا وسلسلة خبراته في مسيرة حياته الفنية يمكننا ان نحدد عدة روافد اساسية في تلك المسيرة. ففي تجربة التصوير الزيتي كانت له اعماله ما زالت شاهدة وباقية مثل لوحة "دنشواي" التي تصل ابعادها إلى 160* 110 سم ونفذها بالالوان الزيتية على توال عام 1956 وهي تمثل تلك الجريمة البشعة التي تعرض لها الكثير من ابناء هذا الوطن للمهانة والقتل والشنق.. فصدر فيها الخوف والفزع الذي يتمثل في الاسرة التي تماسكت وبدا عليها لحظات النهاية المتمثلة في العيون الجاحظة والايدي والاذرع التي استسلمت لما هو "قدري".. وعلى الرغم من كل هذا الجو الكئيب الذي عبر عنه رضا بالالوان الصفراء والخضراء والاطر الداكنة، نجد المشانق في خلفية اللوحة يتدلى منها الكثير.. ونجد الاخرين في انتظار دورهم. ولا شك ان الاحداث التي مرت بمصر قد تركت آثارها على الفنان صالح رضا ومن شاركوه هذا الجيل، فبورسعيد المدينة الباسلة التي لاقت العدوان وصدته وقاتلت واستبسلت لتدفع بالعدو بعيداً.. هي تلك اللوحة ايضاً للفنان رضا والتي نفذها في نفس عام العدوان 1956 فكان لها اصدق الاثر وقتذاك. وقبل ذلك بسنوات كان رضا مشحوناً بالامل كأي فنان آخر فعبر عن الامل في لوحة تمثل شخصاً جالساً متكئا بذراعه على منضدة وعلى الجانب الاخر جمجمة وضعت على منضدة اخرى صغيرة.. ذلك هو الامل في الغد برغم الموت الذي يحيق بنا في كل مكان.. تلك هي لوحة "الامل" التي رسمها عام 1948 بالالوان الزيتية على توال بمقاس 70 *100سم. ولان دراسة رضا الاساسية كانت في فن الخزف فمارس تلك التجربة في عديد من التماثيل الخزفية، فكان "ابتهال" نحت فخاري ملون 45 * 20سم نفذ عام 1953، تأثر فيه صالح رضا تأثراً كبيراً بالفلسفة المصرية القديمة في الاتجاه بالمسلسلات الجرانيتية إلى عنان السماء.. فاطال في جسم الفتاة رغم جلوسها على كرسي ضيق، وابتعد عن التفاصيل التي قد تؤثر على المشاهد للوصول إلى المعنى الدقيق الذي يقصده فاهتم في هذا التمثال بالكتلة والعلاقة بينها وبين الفراغ والتناسب الحادث بينهما، كما قام بعمل نقوش ورسوم شعبية على قاعدتي الكرسي تشبه إلى حد كبير النقوش الفرعونية لكنها شعبية لتضيف إلى تمثاله عمقاً واثراء وتعبيراً.. وعلى النقيض من الاسلوب الذي تميز به تمثال "ابتهال" يجيء تمثال "عروس النيل" المنفذ من الخزف الزلطي عام 1955، فقد ابتعد قليلاً عن الاسلوب المصري القديم وتأثر كثيراً بعروسة المولد التي تتشابك يداها في استدارة جميلة تتآلف مع استدارة الوجه والشعر.. لكنه يحافظ على الاستطالة إلى اعلى حيث الروح الصوفية تسيطر على اعماله سواء المتأثر بالفرعوني منها او الشعبي. ولعل الخامة الصلبة عند رضا كانت ملهمته الاولى، فالصلابة ظهرت عنده في التصوير والخزف والنحت.. لكن هذه المرة طوع الخامة الصلبة "الحجر" ليرسم عليه ويطبع عبر سطحه بطريقة "الليثوجراف" فأنتج مجموعة من هذه الاعمال باللون الاسود وكانت الوجوه الانسانية ذات الاستطالة الرأسية وبعض النقوش الخلفية هي توجهه الوحيد للتعبير عن تلك الموضوعات التي شغلته كثيراً. وانتقل الفنان صالح رضا بعد ذلك إلى "الكولاج" أي القص واللصق وان كانت له تجارب متباعدة قبل ذلك التاريخ، فلوحة عروسة المولد التي انجزها عام 1954 استخدم فيها ورقا مع ألوان باستيل مع الكولاج.. لكن مرحلة الكولاج عنده والتي بدأت في الستينيات كانت تتسم بنماذج قصاصات الورق الملون مع طباعة "المونتيب" واسماها الفنان في ذلك الوقت "تركيبات على مونتيب" والمونيتب يعرف بأنه التلوين على سطح الزجاج ثم طبعه لقطعة واحدة فقط. وضمن اعماله في الكولاج والمونتيب مع قصاصات الاوراق الملونة، لوحة "العزف الثلاثي" التي نفذها الفنان عام 1964، وهي تتسم بالمساحات التجريدية الموزعة على ثلاثة محاور رئيسية طولية، قد يقصد الفنان من تلك التسمية ان هناك ثلاثة عازفين للموسيقى يعزفون على آلات مختلفة وهي في مجملها توحي بتلك التنويعات والمفردات اللحنية المتمثلة في ألوان الاوكر والاحمر والبني والاخضر الفاتح. اما الاهتمام الحقيقي للفنان صالح رضا فكان لفن النحت.. وكان يمكن لهذا الفنان ان يوجه احلامه المستقبلية تجاه والده الذي يعمل في صياغة الذهب والحلي.. لكن هذه الاغراءات التي قدمت اليه كانت كفيلة بأن يتخذ القرار منفرداً على عاتقه.. ويختار الطريق الاخر.. طريق الفن بشكل عام.. وفن النحت بوجه خاص.. والنحت عند صالح رضا شُعب متعددة.. واهتمامات متنوعة.. ومختلفة.. فمن الخشب إلى النحاس إلى الفوم والبرونز.. إلى الرخام.. ومواد اخرى يجد من واجبه عمل التجارب عليها.. فمجموعة الارابيسك.. هي عدة قطع من الخشب خرطت بمعرفته ليشكل منها توافيق وتباديل للزخارف المحفورة والبارزة على الاعمدة المخروطية الخشبية، واحياناً تكون فرادى واحياناً اخرى مزدوجة وكل منها يكمل الاخر حتى ليشعر المشاهد لهذه المجموعة بأنها لاشخاص يجمعها شيء واحد برغم تباين افكارهم وتوجهاتهم.. تلك المجموعات المتراصة بحبكة درامية على قاعدة خشبية رقيقة ايضاً هي مرحلة هامة من مراحل الفنان صالح رضا والتي اشترك بها في معارض عديدة وتعد علامة متميزة في مسيرة الفنان. ولان الفنان صالح رضا تحركه كوامن داخلية للتعبير بشكل دائم لذلك فهو باحث دءوب لخامات قد تكون غير تقليدية، لذا فلجأ في منتصف الستينيات إلى خامة "الفوم" الصناعي الابيض مستخلصاً فيه الشرائح الرقيقة والقطع المكعبة وشكل منها مجموعاتاً نحتية متجاورة ملوناً اياها بألوان الاكريليك ليبرز مفاتن تلك الخامة الهشة، والتي اضفى عليها بالانحناءات والزخارف اشكالاً يشعر المتلقي منها بأنها خامة صلبة رغم انها خامة خفيفة، لكنه نجح إلى حد كبير في توصيل فكرته إلى المشاهد سواء من ناحية الفورم او من ناحية التلوين والتجاور. هذه الاعمال نفذت بخامة "الفوم" امكن للفنان رضا السيطرة عليها وانجاز اعمال ذات ابعاد ورؤى متعددة خاصة القطع الصغيرة منها والمتجاورة والتي يشكل منها اشكالاً مجُمعة، اما الاعمال الكبرى منها فقد اضفى على بعضها الطلاء البرونزي او النحاس مع الملمس الخشن.. قاصداً من ذلك طرح قضية الخامة في المقام الاول وكيفية تطويعها.. ولقد ادرك رضا في وقت ما ان النحت بهذه الكيفية قد لا يصل إلى جمهوره الحقيقي، لذا فكر في الخروج من قمقم المرسم والمحترف إلى الشارع فعندما عرضت عليه فكرة لتصميم وتنفيذ احد اعماله لتصلح ان تنفذ امام مبنى البنك الاهلي على كورنيش النيل، فلم يتردد، وراح يضع التصميمات وكيفية التنفيذ.. وبالفعل نفذت تلك القطعة النحتية التي تتسم بالاستطالة والاتجاه ناحية السماء ايضاً في مجموعة شرائح بها استدارات ومنحنيات تتآلف في شكل ودي. ولما كان هذا العمل له صدى كبير للفنان صالح رضا جماهيرياً شجعه على المضي في هذا المضمار فاستخلص من تلك التجربة بعض النقاط رأى انه من الواجب الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيقها، فبدأ يستخدم الشرائح النحاسية والخشبية في عمل تشكيلات زخرفية، تارة مستلهماً اياها من بعض زخارف المشربيات وتارة اخرى من رسوم الخيامية وهي رسوم شعبية لها اصولها المتوارثة.. فلم يتنازل طوال هذا المشوار عن هويته وقضيته تجاه وطنه بفنونه ومعتقداته.. وقد قام بعمل العديد من التصميمات الاخرى والدخول في مسابقات مصرية وعربية.. وكلها نماذج توحي بقدرته على التعبير عن مضمون كل مسابقة. اما احدث اعماله النحتية فهي مجموعة اعمال استخدم فيها شرائح حجر الجرانيت الوردي في ارتفاعات تصل لاكثر من مترين.. تحدث هذه الشرائح ترديدات وتنغيمات من خلال الضوء والظل وقد اضاف لبعضها بعض الشرائح النحاسية على حروف تلك الشرائح. هي بحث سلسلة من التجارب القيمة في مشوار حياة الفنان القدير د. صالح رضا.. واذا كنا قد عرضنا لنماذج من ذلك المشوار وليس كله.. وانما هناك الكثير والكثير.. فهو فنان شامل له حضور وطني قوي في كل المحافل المصرية والعربية.. والعالمية.. ولد الفنان صالح رضا عام 1932 بحي الحسين بالقاهرة ودرس التصوير في كلية الفنون "دراسة حرة مسائية" من 1946 : 1951 ثم درس الخزف وحصل على الدبلوم عام 1957، ثم سافر في بعثة إلى تشيكوسلوفاكيا لدراسة الخزف وحصل منها على درجة الدكتوراة، ثم ارسل في بعثة إلى انجلترا ايضاً لدراسة الخزف. وقد اختير نقيباً للتشكيليين من عام 1983 إلى 1987 وساهم في انشاء الاتحاد العام للتشكيليين العرب 1971 وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في فن النحت 1964 مع وسام الجمهورية من الطبقة الثالثة.. ويعمل حالياً استاذاً للتصميم بكلية الفنون التطبيقية جامعة حلوان. ولقد جاء تقدير مصر لهذا الفنان بفوزه مؤخراً بجائزة الدولة التقديرية في الفنون عرفاناً واعترافاً بفنه ومشواره الطويل. وبعد كل هذا.. الا يمكننا القول بأن مشوار حياة الفنان صالح رضا كُلل مؤخراً بجائزة تقديرية نتيجة لتمسكه بهويته وبوطنه.. الأمر الذي يمكن ان يصل به للعالمية.