DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

بين ميكنة الأداء وأنسنة الآلة

بين ميكنة الأداء وأنسنة الآلة

بين ميكنة الأداء وأنسنة الآلة
بين ميكنة الأداء وأنسنة الآلة
أخبار متعلقة
 
كثيرة هي الحكايات والنوادر التي تتناول آلية الأداء البيروقراطي، وقد يتجاوز بعض تلك الحكايات حدود التصور. فتضحك قائلاً: "مش معقول!" لكنها انعكاس للواقع نفسه. وقد لا يدرك المرء معقولية تلك الحكايات إلا إذا وجد نفسه يوماً ما مهرولاً لاهثا من مكتب إلى آخر متأبطاً ( معاملته)، هذا يتفحصها ولو لم تكن من اختصاصه، وذاك يمنحها نظرة، وثالث يدون عليها تأشيرة، ورابع يتفضل عليها بختم، وخامس يعطيها رقماً، وسادس يباركها بتوقيع. وعليه، خلال ذلك الماراثون البيروقراطي اللاهث، أن يحبس أنفاسه أمام هذا الموظف أو ذاك كي لا يعكر مزاجه فيعقد المعقد أساساً، ويقول لك: "راجعنا بكرة". أو تنتهي المعاملة بعد هذه الدوامة البيروقراطية إلى طريق مغلق عليه لافتة تقول "تحفظ". ولعل هذا هو ما حصل لمعاملة مجموعة من القرويين الهنود تقدموا للحصول على حافلة، حيث سئم الناس الذين يعيشون في القرى القريبة من ( تيريبور) من الصعوبة التي يواجهونها للوصول للعمل والمدرسة والجامعة بسبب عدم توفر خدمات النقل بالحافلات. غير أن السلطات قد ماطلتهم أو تجاهلت طلبهم فقدموا الطلب إلى حمار كشكل من أشكال الاحتجاج. وتقول صحيفة (تايمز أوف أنديا) إن الحمار قد نظر إلى الالتماس ثم أومأ برأسه علامة على الموافقة. وأن السكان كانوا في غاية السرور، ربما لأنهم قد وجدوا أخيراً من يتفهم مشكلتهم ويتعاطف معها. غير أن هذه ليست الحكاية الوحيدة الضاحكة التي تعكس تعقيدات الآلة البيروقراطية العتيدة. والمشكلة هي أننا نهجو البيروقراطية ونعيبها والعيب فينا. فقد اخترع الإنسان الأنظمة واللوائح والتعليمات لخدمة مصالحه، ثم أصبح عبداً لها. وإذا كان هناك من "يخوض في الماء العكر" كما يقال، فهناك كذلك من "يعكر الماء ليخوض فيه"، أي أن هناك من يعقد حتى الإجراءات البسيطة إما لعدم كفاءة، أو لحماية نفسه، أو لإضفاء المزيد من الأهمية على موقعه الوظيفي، أو لحاجات أخرى في نفسه. ولذلك تأتي فكرة الإدارة الإلكترونية، أو الحكومة الإلكترونية، والمشروعات الخاصة بميكنة الوزارات والهيئات والإدارات بغية تسهيل الأداء، ورفع مستواه، وتقديم خدمات متميزة في زمن وجيز. لكن حتى أداء تلك الميكنة ليس واحداً في كل البيئات، إذ لابد أن يترك الإنسان أثراً إيجابياً أو سلبياً على أداء الآلة. أي أنه قد (يؤنسن) الآلة ويكسبها شيئاً من طبيعته. لو أخذنا جهاز الصراف الآلي مثالاً على حسن الأداء لوجدنا أنه آلة لا تعرف المجاملة والمحاباة والواسطة، وهي ليست مزاجية، ولا تخضع للعواطف والأهواء، ولا تتعالى على أحد، ولا تميز بين شخص مهم ( مهندم)، وآخر نكرة ( مبهدل)، ولا تبتسم في وجه صاحب الرصيد الكبير، وتكشر في وجه صاحب الرصيد المتواضع. رغم أنها ترى هذا وذاك عبر عيونها السحرية (كاميرا المراقبة). لكن نسبة كبيرة من أخطاء هذه الآلة أو إخفاقاتها ذات طبيعة بشرية. فقد تكون فارغة من النقد، وقد يخطئ الموظف في فرز فئات النقود في خاناتها الصحيحة، كأن يضع فئة الخمسمائة في خانة المائة وبالعكس.. وقد يخطئ الزبون أو يسيء استخدم تلك الآلة كما فعل العميل الذي غلف بطاقة الصراف الآلي بعد استلامها كما تغلف رخصة القيادة، وذهب إلى البنك شاكيا لان الآلة لم تصرف له شيئا، أو ذلك العميل الذي أدخل بطاقة الأحوال المدنية في جهاز الصرف بدلا من بطاقة الصراف. أو ذاك الذي أدخل البطاقة في الجهاز دون أن يدخل رقمه السري ليكمل بقية الإجراءات، ولما طال به الانتظار سحب البطاقة وذهب للبنك متذمراً. أو الذي يتأخر في استلام النقود فتقوم الآلة بسحب المبلغ حفاظا على ماله. أو العميل الذي يخطئ في كتابة رقمه السري عدة مرات فتبتلع الآلة بطاقته. أما فترة الانتظار التي تحاول الأجهزة الإلكترونية تقصيرها فقد تطول إذا كان الزبون الذي سبقك إلى الجهاز لا يحسن التعامل معه. ومن المؤكد أن لدى موظفي البنوك قصصا كثيرة عن كيفية تعامل بعض الزبائن مع هذه الآلات . ومع أن الميكنة والإمكانات المادية والكفاءة والمهارة في استقدام التقانة الحديثة عناصر مهمة في معادلة الإنتاجية، إلا أنها وحدها لا تكفي في غياب الإخلاص والانضباط والتفاني في العمل وهي أمور مرتبطة بالضمير الوظيفي. وهو نتاج الوعي والاقتناع بأهمية العمل وأهدافه كنت في أواخر السبعينات أتلقى تدريباً في أحد المعاهد المتخصصة في مدينة تولوز بفرنسا، وكانت هنالك سيدة تهتم بنظافة (كافتيريا) المعهد. كانت تكنس الأرضية وتنظف الكراسي والطاولات وتلمع زجاج النوافذ، وتعمل بهمة وإخلاص. وذات صباح وجدتها منهمكة في عملها كالعادة، وبعد تحية الصباح والسؤال عن الحال فهمت منها أن هذا آخر يوم لها في خدمة المعهد، وأن عقدها ينتهي بنهاية دوام ذلك اليوم. ما لفت انتباهي هو طريقة أدائها وإخلاصها لعملها التي لم تتغير عن سائر الأيام . وفي ذلك التصرف احترام لروح العمل وعقد العمل وشروط العمل. لأنك في مقابل هذا الالتزام الذي أبدته تلك السيدة حتى آخر دقيقة من عقدها، قد تجد من يقل عطاؤه، ويفتر حماسه، ويبدأ في ترتيب أوراقه قبل انتهاء عقده أو خدمته بشهور في احسن الأحوال. وتختلف تلك الروح الدافقة بالعطاء عما يصوره دريد لحام في أحد أعماله الكوميدية وهي لقطة كاريكاتورية تصور ممرضين يحملان مريضا على نقالة في أحد ممرات قسم الإسعاف، وقبل أن يصلا إلى وجهتهما ينظر أحدهما إلى الساعة ليخبر زميله بان وقت الدوام قد انتهى فيتركان المريض والنقالة في الممر باعتبار أن العاملين في الفترة الثانية سيواصلون نقله إلى غرفة الطبيب لتلقي العلاج. مشهد كاريكاتوري مضحك ومبالغ فيه غير أنه يسلط الضوء على صور أخرى عديدة لسلوكيات أو ممارسات وظيفية غير صحيحة تراها هنا وهناك، ولا علاقة لها بالإمكانات المادية.