DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

خاتم والوجود المزدوج

خاتم والوجود المزدوج

خاتم والوجود المزدوج
خاتم والوجود المزدوج
أخبار متعلقة
 
تطرح رواية خاتم للكاتبة رجاء عالم سؤال الذكورة والانوثة بلغة روائية تسعى الى البحث عن جدوى القلق الانساني حول هذه الثنائية. في الاصل كان الجسد جسدا واحدا، قبل ان يتفتق عن ذكر وانثى من اجل وظيفة بيولوجية بحتة. لكن الثقافات ما فتئت تحاور هذا الجسد حتى الغت الحيادية المطلقة في هذا الجسد واحالته الى جسد مؤدلج، جسد مذكر هو الاعلى، وجسد مؤنث هو الادنى وبين جدلية الاعلى والادنى مارس الجسد المذكر كل ما في وسعه لاخضاع الجسد المؤنث وميز الجسد المذكر نفسه باقونات دلالية تقصيه عن التشابه مع جسد الانثى وحدد الجسد المؤنث حضوره بدلالات اخرى بعيدة عن دلالات المذكر. رواية خاتم تعيد فرضية الجسد الواحد، تدفع الحدود الى اقصى مدى، بل انهاتعيد تقاسيم الليل والنهار على اساس الذكورة والانوثة، فالليل انثى حيث ترتدي خاتم زي الانثى، والنهار ذكر حيث تمارس خاتم دور الذكورة الى اقصى مدى. خاتم جسد بين اسلوبين مختلفين.. جسد مسكون بحالتين، فهل خاتم تهزأ بفكرة الحدود الفاصلة بين الجسدين؟ خاتم هي المولود الاخير بعد سلسلة توائم، يموت فيها الذكور وتبقى الاناث مرارة الحرمان لدى الشيخ نصيب من عدم وجود طفل يحمل اسمه يدفعه الى افتراض الوجود المشترك في جسد خاتم، غير ان خاتم تعشق الجسد المذكر ليس لخصوصيته البيولوجية، بل لخصوصيته الثقافية التي تدفعه للحياة بقوة عشقت خاتم دور المذكر وعاشت معه في رحلة النهار. لكنها تعود في الليل لتمارس دور الانثى، اتكأت الرواية كثيرا على الفرق الجوهري بين ملابس الذكر وملابس الانثى بوصفها دلالة فارقة واضحة بين الجنسين لكنها في حقيقتها تمويه تخفي تحتها حقيقة الانسان، تخفي جوهر الانسان فالانسان بمضمونه وليس بمظهره الخارجي، فالظاهر والباطن هو المعنى الخلفي لرحلة خاتم بين جسدين، انها محطة وسط الفراغ الذي نغفله دوما عند تقييمنا للانسان فهلال نموذج للذكر القاسي المارق، المتجاوز لكل النوازع الانسانية الخيرية، لكننا رغم تعاطفنا معه، نلمس في داخله نزعة نحو انتقاد الطبقية حينا، وحينا ميله الواضح نحو خاتم بوصفها انثى، في الحالة الاولى يأخذ خاتم الى عالمه حيث العوالم المهمشة او العوالم السفلية، لكنه يأخذها فقط من اجل ان يكشف فوقية الحياة التي تحياها في الجبل لكن ما يبقى من هلال هو ملامسته للحياة من خارجها دون النفاذ الى جوهرها وهو ما جعل سند يؤدي تماما الدور الآخر وهو البحث عن القيمة داخل الانسان من خلال اهتمامه بجوهر الاحجار الكريمة فلم تشغله حياة الاحجار الكريمة في شكلها بل ما اخذ لبه وملك عليه حواسه هو جوهرها وعالمها غير المتناهي من الغنى والاثارة. وجدت خاتم في العود والغناء والموسيقى عالما غير متناه من اللذة والاشباع الروحي وهو ما وجدته في عالم الدحديرة من خلال اتصالها بزرياب الحلبية، وهي نموذج آخر للوجود المزدوج حيث جاء اعجاب والدها بزرياب المغني دافعا ليسمي ابنته بزرياب وهي فكرة تشير الى ان قلق الشيخ نصيب من نصيب الانثى في موقع الذكر فكرة قديمة، وهذا التكرار يؤكد الحاح الهاجس النفسي بين ما يمكن ان يحقق الوجود المذكر على حساب الوجود المذكر على حساب الوجود المؤنث في السياقات الاجتماعية ولعل فكرة الغناء والموسيقى التي تشترك فيها خاتم مع زرياب هي رمز للبحث عن المشترك بين الجنسين لذلك فان للموسيقى عمق روحي يتصل بباطن الانسان وهي المعادلة التي سعت الرواية الى تأكيدها. سيطرت على الرواية ثنائية مطلقة لا يمكن الخلاص منها فرغم مسعى الرواية الى افتراض فكرة الجسد، او التعايش مع الجسد الواحد فان كل شيء يعود الى اصل الثنائية التي تحكم كافة اوجه الحياة الطبيعية أو الاجتماعية فخاتم تتأرجح بين جسدين لكنها في النهاية تموت ليس بوصفها المادي، بل بوصفها المزدوج لتبقى فكرة الانتماء الى جنس صريح هي الامر الحاسم وخاتم تمارس حياتها في الجسدين من خلال ثنائية الليل والنهار، وخاتم تستند الى عالمين مختلفين هما عالم الجبل الذي يرمز للسيادة والطبقة العليا، وعالم الدحديرة، وهو المكان المنخفض، وهو عالم الطبقة الدنيا. وما يحسب للراوية انها صنعت ذلك الاحتياج المستمر لهذه الثنائية التي بدت بحاجة الى عون روحي تمثل في عالم المسجد الذي كان اول نقطة اتصال لها، بعالم الدحديرة تم من خلال وسيط روحي عند نقطة بدت مدخلا غرائبيا يشبه فكرة الاتصال الصوفي، واخيرا ثنائية الظاهر والباطن، وقد قدمتها الراوية في اكثر من رمز، لعل اهم هذه الرموز تمثل في عشق سند للاحجار الكريمة، ليس بوصفها المادي، بل بوصفها الروحي، لقد اسهبت الرواية في اهمية نفاذ البصيرة للكشف وهتك الحجب التي تعزلنا عن الوصول الى جوهر الاشياء. وهو ما تبوح الرواية به في الصفحة 106 عند الحديث عن انواع الياقوت: عثر سند لخاتم في قبيلة الياقوت الابيض على اجابة ملجأ من نصبتها الحائرة بين دنيا الاناث والذكور هذه النصبة التي شاءها بلا رأفة الشيخ نصيب، حدث سند نفسه ان ليس لخاتم ان تتسول في عالم الذكور بعد الآن، بوسعها ان تخلع بلا وجل هذه الهيئة الاثقل والاقل شعاعا والاصلب حجرا والارخص دعوة الى ان تكون خاتم الجوهر الذي يتحد مع حقيقتها الخارجية. انقسم خطاب اللغة في الرواية الى عالمين في التعبير عن حالة خاتم فالاسم مذكر وتقديمها مرة يجيء بوصفها انثى من خلال تأنيث افعلها أو تأنث اللغة الواصفة لخاتم واحيانا اخرى يأتي وصف خاتم بأنها ذاك الصبي او الولد او العواد فهل في ذلك دلالة ام ان ازدواج اللغة هو ازدواج في الرؤية والموقف من خاتم بين كونها انثى او ذكرا؟ وهو ما يجعلها منسجمة مع فكرة الثنائية التي تركب منها العمل. خاتم حياة استثنائية بين الولادة والموت الولادة كانت بشارة لكنها خاتمة للانجاب والموت كان خاتمة البشارة هل كانت خاتم في الاصل ذكرا تلبسته الانثى، ام هي انثى في ثياب ذكر على حد زعم هلال عندما يقول: هذه ابنة نصيب الخنثى (ص86) ان كانت بنتا البسها ابوها ثوب ذكر فهذا ينسجم مع قلق الشيخ نصيب ومدى حرصه على وجود ذكر يمد وجوده وينسجم ايضا مع السياق العام الذي يفضل الذكور على الاناث كما ان مقدمة الرواية اوحت بأن الشيخ نصيب محروم من الذكور اما مجيء انثى فهو يحمل اثارة روائية تجعل المتلقي ينتظر ردة فعل الشيخ الباحث عن اصله كما ان محاولة الشيخ في ربط سند يتسه من خلال الرضاعة تأكيد على قلق الشيخ وحل معضلة غياب الذكر من عقبه اما ان كانت خاتم ذكرا وهو ما توحي به نهاية الرواية على نحو غامض وغير مفهوم فهذا مالم اجده مبررا روائيا ولا ثقافيا هل مطلوب في هذه الحالة ان ترهق الكاتبة نفسها بتسطير صفحات بدت في النهاية بلا معنى؟ هل هي هفوة تقنية، ام خلل في الرواية قد لا تكون هذه ولا تلك لكنها بدت كافية ليشعر معها القارىء بعبثية القراءة التي تفضي الى فراغ. د. حسن النعمى