DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

مخططات ما بعد السقوط

مخططات ما بعد السقوط

مخططات ما بعد السقوط
مخططات ما بعد السقوط
أخبار متعلقة
 
اذا كان الذي جرى في العراق قد شابته مفاجآت وألغاز يستعصي فهمها او تفسيرها، في الوقت الراهن على الأقل، فان الذي سيجري لم يعد فيه سر. وإنما اصبح أكثره واضحاً وضوح الشمس، بعدما ظهرت على المسرح شخوصه، وأعلنت عناوينه على الملأ، وسربت تفاصيله إلى وسائل الإعلام بقصد او بغير قصد. (1) استأذن في الرجوع خطوة واحدة إلى الوراء، لتصحيح معلومة تتعلق بموعد إعلان الحرب على العراق. ذلك أن تلك الحرب بدأت حقاً في العشرين من شهر سبتمبر عام 2001 وليس العشرين من مارس 2003. وهذا التاريخ الأخير الذي ما زالت صوره البشعة ماثلة في أذهاننا هو موعد إطلاق الصواريخ صوب بغداد، وليس موعد بدء الحرب. هذا الكلام ليس من عندي، ولكني وقعت عليه في ثنايا مقالة مهمة ومثيرة كتبها يوري افنيري، الصحفي الإسرائيلي وداعية السلام المعروف، وقد بثها على موقع "ردرس" بالانترنت في العاشر من شهر أبريل الحالي. فقد ذكر افنيري أن البداية الحقيقية للحرب تمثلت في الخطاب المفتوح الذي وجهه إلى الرئيس بوش 41 من ابرز مجموعة المحافظين الجدد (اغلبهم يهود من غلاة الصهاينة) بعد تسعة أيام فقط من الهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر. وفيه دعوا صراحة إلى إزاحة صدام حسين من السلطة وتأديب سوريا وإيران. والأول "تجرأ" وأطلق صواريخ "سكود" على اسرائيل في عام 91، في سابقة هي الأولى من نوعها، أما الدولتان الاخريان فهما تساندان حزب الله الذي الحق بإسرائيل هزيمة لا تنسى في جنوب لبنان. الخطاب نشر في مجلة "ويكلي ستاندارد" المعبرة عن تيار المحافظين الجدد، والتي رصد المليونير اليهودي روبرت ميردوخ عشرة ملايين دولار لدعمها. أما الشخصية المحورية في الفكرة فهو ريتشارد بيرل أحد الليكوديين الغلاة، الذي كان مديراً لتحرير صحيفة "جيروزاليم بوست"، الصادرة في اسرائيل، وكان ضمن فريق بنيامين نتنياهو حين تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وأحد الذين كانوا يشيرون عليه في كيفية محاربة العرب، على حد تعبير يوري افنيري. وفي ظل إدارة الرئيس بوش، عين بيرل رئيساً لمجلس السياسة الدفاعية، وقد استقال مؤخراً من الرئاسة لأسباب مالية، وبقي عضواً نشطاً في المجلس. أما الشخصية الثانية من بين موقعي الخطاب المفتوح فهي بول وولفويتز، الصهيوني المتطرف الذي اصبح نائباً لوزير الدفاع، ويعتبره افنيري أبو الحرب الراهنة. الشخصية الثالثة هي دوجلاس فيث الذي كان أحد المتهمين بالتآمر مع "بولارد" اليهودي الأمريكي الذي أدين بتهمة التجسس لحساب اسرائيل وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ولكن فيث لم يحاكم بسبب مركزه القوي في التنسيق بين واشنطون وتل أبيب. لا أريد أن أطيل في استعراض الأسماء، لكن القدر المتيقن أن الأغلبية الساحقة من موقعي مذكرة 20 سبتمبر 2001 التي دعت إلى إسقاط صدام حسين، كانوا من اليهود الصهاينة القابضين على أهم المناصب الحساسة في وزارة الدفاع الأمريكية. هذه الخلفية التي نبه إليها يوري افنيري أكدها تقرير نشرته صحيفة "هاآرتس" في 4/4 الحالي لمراسلها في واشنطون، تحدث فيه عن دور اليهود في دائرة صنع القرار بالولايات المتحدة. وقال إن مشروع الحرب على العراق خرج من عباءة "المحافظين الجدد" قبل اكثر من عام واستهدف هيكلة "شرق أوسط جديد" وتغيير الثقافة السياسية للمنطقة كلها. ونقل عن بيل كريستول - صحفي يهودي من الغلاة - قوله أن الحرب على العراق جاءت "من خلال ادراك أمريكي بأن على الولايات المتحدة أن تبادر إلى تصميم عالم على صورتها، قبل أن يصممها العالم على صورته". من الإضافات المهمة في هذا الصدد، ما ذكرته "وول ستريت جورنال" في 8/4 من أن فكرة الحرب على العراق عرضها بول وولفويتز نائب وزير الدفاع على الرئيس بوش بعد أربعة أيام فقط من الهجوم على مركز التجارة العالمي. وذكرت هذه المعلومة في سياق تقرير كتبه ميخائيل دوبس محرر الواشنطون بوست، الذي أجرى حواراً بخصوصه مع وولفويتز، الأمر الذي يوحي انه مصدر المعلومة. اعتذر عن الإطالة في هذه الخلفية، لكني حرصت على تسجيلها، لكي تكون بين أيدي الذين روجوا او صدقوا أكذوبة أن الحرب شنت بهدف "تحرير العراق" ، وهو الهدف الذي لم يخطر على بال أحد من آباء الحملة ودعاتها. (2) باحتلال بغداد تكون قد سقطت أول عاصمة عربية في القرن الحادي والعشرين. ورغم أن القرن الماضي شهد سقوط القدس في عام 48 وبيروت عام 82 وكابول في 2001. إلا أن ما حدث في حالة بغداد أسوأ بكثير، لان تلك هي المرة الأولى في التاريخ العربي والإسلامي الذي تسقط فيه عاصمة عربية بترتيب وتعاون مع أطراف عربية عدة محيطة بها. بعد السقوط تردد السؤال في مختلف الأوساط السياسية والإعلامية: من بعد؟ - البعض ألقى السؤال شامتاً او ساعياً إلى تصفية الحسابات، وآخرون طرحوه من قبيل التحذير والقلق والدعوة إلى تجنب المصير البائس للنظام العراقي ورئيسه. الإسرائيليون ومن لف لفهم على رأس الفريق الأول، إذ منذ السقوط البائس في 9 أبريل والصحف الإسرائيلية تلح على أن الحرب لن تحقق هدفها ما لم يتم تأديب سوريا وإيران. وهي وجهة النظر التي دعا إليها في عام 2001 بيان مجموعة المحافظين الأمريكيين الجدد. (ملف سوريا فتح فيما يبدو من خلال الانتقادات والتهديدات الأمريكية التي وجهت في الأسبوع الماضي إلى دمشق). القلقون والمحذرون ترددت أصواتهم في اغلب العواصم العربية، وكان لسان حالهم يقول أن التدخل الخارجي بذريعة الدفاع عن الديمقراطية يمكن أن يتكرر في أي بلد اخر، ولذلك فلا بد من المسارعة إلى إحداث إصلاح سياسي حقيقي، سواء لإحباط محاولات التدخل. او لامتصاص غضب الجماهير التي خرجت للانتقام من كل رموز السلطة، من الأبنية الحكومية إلى بيوت الحكام وصولاً إلى صور وتماثيل الزعيم الأوحد. وكانت رسالة رئيس الوزراء الجزائري الأسبق سيد احمد غزالي إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التي نشرتها الصحف في الأسبوع الماضي، تجسيداً لما نقول. إذ في الرسالة قال غزالي انه ما لم تشهد الجزائر إصلاحا سياسياً وديمقراطياً يرد إلى المجتمع اعتباره ويحفظ كرامته، "فان دور الجزائر سيأتي في الوقت المناسب... تطبيقاً للخطة الأمريكية، خصوصاً أن إعادة تشكيل الخريطة العربية بدأ فعلياً بالعراق... من ثم فان الاحتلال يتهددنا بصفتنا أعضاء في المجموعة الدولية، وبصفتنا عرباً ومسلمين، ولان بلدنا الجزائر يملك احتياطيات بترولية هامة هي محل أطماع كثيرين". (3) في الثالث من أبريل الحالي، نقلت سي. إن. إن من لوس انجيلوس أن جيمس وولسي رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق ألقى محاضرة امام مجموعة من الدارسين قال فيها إن الولايات المتحدة تخوض الآن الحرب العالمية الرابعة (بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وكانت الحرب الباردة هي الثالثة)، وهذه الحرب قد تستمر لعدة سنوات، والأعداء فيها ثلاثة هم: الملالي الذين يحكمون إيران، و "الفاشيست" في العراق وسوريا، والمتطرفون الإسلاميون من أمثال تنظيم القاعدة. (لاحظ أن ساحة الحرب هي العالم الإسلامي). ثم أضاف أن واشنطون في مسيرتها ستدعم الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط. "هاآرتس" نشرت في 10/4 مقالة لآري شفيت قال فيها إن سقوط بغداد يعني ولادة شرق أوسط جديد، لا أحد يعرف كيف سيكون شكله، وكان ريتشارد ارميتاج مساعد وزير الخارجية الأمريكي اكثر تحديداً وصراحة فيما نقلته عنه الوكالة الفرنسية من واشنطون في 11/4، حيث قال في خطاب له " امام المؤسسة الأمريكية للسلام" إن "حزب الله" اللبناني قد يكون المجموعة رقم واحد في مجال الإرهاب العالمي (تنظيم القاعدة احتل هذه المرتبة أثناء وبعد الحرب على أفغانستان). في مقالة يوري افنيري التي سبقت الإشارة إليها ذكر أن الحرب الراهنة لن تقف عند العراق، ولكن ستكون لها أبعاد أخرى عميقة الأثر في مستقبل العالم. من ناحية لأنها فتحت شهية الولايات المتحدة لقصف أي مكان في الكرة الأرضية، مهما بلغ من قوة، انطلاقاً من فكرة استباق الخطر واجهاضه، التي اتبعتها مع العراق - أما الناحية الثانية الأهم والأخطر، فان الحرب مثلت انتصاراً لتحالف المحافظين الصهاينة مع الأصوليين الإنجيليين، سوف يقوي من شوكتهم ويمكنهم من السيطرة بلا حدود على القرار السياسي في واشنطون، وهو أمر كارثي بكل المقاييس. لان ذلك التحالف معاد للعرب عموماً وللفلسطينيين بوجه أخص، ومعاد لأية حلول سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي لن يمكن اسرائيل من أن تنعم بالهدوء او السلام مع جيرانها. ليس ذلك فحسب، وإنما يذهب الأصوليون الإنجيليون إلى ابعد من ذلك بكثير، حيث يعتبرون الحرب على العراق بمثابة حلقة في الصراع بين أبناء النور (الأمريكيون والإسرائيليون) ضد أبناء الظلمات الذين هم العرب والمسلمون. (4) رغم تعدد التكهنات بشأن طبيعة وشكل الشرق الأوسط الجديد، إلا أن حصة اسرائيل منه هي الأكثر وضوحاً حتى الآن. وكنت قد ذكرت قبلاً بعض التفاصيل عن الدور الإسرائيلي في التعبئة للحرب والتخطيط لها وتنفيذها أيضاً، وأشرت إلى الوعود الأمريكية بإعطاء الأولوية لإسرائيل في الحصول على النفط العراقي بسعر رخيص، ثم نشر لاحقاً أن ملف مد خط أنابيب البترول من الموصل إلى حيفا بإسرائيل قد وضع على الطاولة. وبمضي الوقت بدأت بقية التفاصيل تتكشف، منها مثلاً: @ أن الجنرال المتقاعد جاي جارنر الحاكم العسكري الأمريكي الذي نصبته الإدارة الأمريكية ليمسك بزمام الأمور في بغداد، رشحه وزير الدفاع رامسفيلد، وزكاه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون (الحياة اللندنية 12/4) - وبسبب علاقته الخاصة مع المتطرفين في تل أبيب فان افنيري وصفه بأنه جنرال صهيوني - وذكرت "هاآرتس" في 9/4 انه شارك في نصب شبكات الصواريخ بإسرائيل، وفي تطوير صواريخ "الحيتس". - وقالت التليجراف البريطانية إن هذه هي المرة الأولى التي يحكم فيها العراق رجل معترف بإسرائيل. @ إن من المرشحين لطاقم الإدارة في العراق، اثنين من رؤساء المخابرات المركزية الأمريكية السابقين، أحدهما جيمس وولسي الذي سيكون وزيرا للإعلام (!!) وتيموني كرني الذي سيكون وزيراً للصناعة، أما مدير إذاعة"صوت أمريكا" السابق روبرت رايلي فانه سيدير الإذاعة والتليفزيون العراقيين (!!) - (هاآرتس). @ إن المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة أقامت علاقات جيدة مع كل عناصر المعارضة العراقية الموجودة بأمريكا. وقد عقدت لقاءات عدة مع احمد شلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، المرشح لكي يلعب دوراً رئيسياً في المستقبل. وكان رئيس مكتب المؤتمر الوطني في واشنطون انتفاض قنبر قد دعي هذا العام بصورة غير عادية لحضور مؤتمر "ايباك" السنوي وهي أهم منظمة متحدثة باسم اسرائيل في واشنطون، ولكنه لم يحضر لان الأمريكيين طلبوا منه الذهاب إلى شمال العراق، وحضر بدلاً منه معارض آخر هو كنعان مكية. صحيفة هاآرتس نشرت هذه المعلومة في عدد 7/4، وقالت إن دعوة ممثل المؤتمر الوطني إلى اجتماع ايباك قصد به في الظرف الراهن إعلان العلاقة الخاصة بين المعارضة العراقية واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، بعد أن حرص الجانبان على إخفائها طيلة السنين السابقة. @ إن بعض الشركات الإسرائيلية بدأت تخطط منذ الآن لتنظيم الرحلات بين تل أبيب وبغداد، من خلال مد خط الطيران بين البلدين وتنشيط السياحة على الجانبين (معاريف 9/4). (5) ثمة فرق لا بد من الانتباه إليه بين الأمنيات والمخططات، وبين ما سيحدث بالفعل ويتحقق على ارض الواقع. وفي الحالة العراقية بوجه أخص، فالأمر اعمق واكثر تعقيداً مما يبدو على السطح. ليس فقط لان ثمة احتمالاً كبيراً لان يواجه الاحتلال بمقاومة تؤرق راحته، وان يواجه الأمريكيون متاعب من قبيل تلك التي يواجهونها في أفغانستان حتى الآن، الأمر الذي لا بد أن يعطل - أن لم يبدد - تلك المخططات. وقد قرأنا في الأسبوع الماضي بياناً عن تشكيل "الجبهة الوطنية لتحرير العراق" دعا إلى الكفاح المسلح ضد المحتلين، وعن ظهور تنظيم آخر في الداخل باسم "أحرار العراق". والذين يعرفون الساحة العراقية جيداً يدركون أن ذلك "أول الغيث".من ناحية أخرى فان الذين يتحدثون عن تطبيع او اختراق إسرائيلي للعراق يجهلون حقيقة الشعب العراقي، وعمق انتمائه العربي والإسلامي. وقد ألمح إلى هذا البعد كاتب إسرائيلي هو سامي ميخائيل، نشر في "معاريف" (عدد 9/4) مقالة قال فيها إن سقوط صدام حسين لا يبشر بالضرورة بعهد قرب وود مع اسرائيل. ذلك أن القضية الفلسطينية احتلت دائماً مكانة خاصة في الوجدان العراقي. وليس صدفة أن القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني وجد ملاذاً دافئاً حين لجأ إلى العراق في عام 1939. كما أن الانقلاب المتعاطف مع النازية الذي وقع في بغداد عام 1940، نشأ على خلفية التضامن مع الفلسطينيين والكراهية للبريطانيين. الذين فتحوا أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين. ثمة سؤال أخير يتعين الوقوف أمامه طويلاً ونحن نرصد ما يخططون ويدبرون، وهو: ماذا نحن فاعلون؟ ليست عندي إجابة محددة الآن، او قل إن ثمة إجابات متعددة تحتاج إلى مناقشة وبلورة، لكني وقفت عند نقطتين مضيئتين في رسالة السيد غزالي رئيس وزراء الجزائر الأسبق إلى الرئيس بوتفليقة. الأولى تمثلت في دعوته إلى تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، والاكتفاء بالحد الأدنى من العلاقات مع حكومات الدول التي شاركت في العدوان، حتى ينتهي الاحتلال ويخرج الغزاة من العراق. أما النقطة الثانية فكانت تذكيره بما فعله الرئيس الأسبق هواري بومدين بعد حرب عامي 67 و 73، حين قرر قطع العلاقات مع الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات، ومقاطعتها نفطياً، كما قرر تأميم المصالح الأمريكية البترولية بالجزائر. والنقطتان أسوقهما من باب تنشيط الوعي والذاكرة لا أكثر.