خارج المحطة او داخلها.. ها هو يتوسد امتعته وما تبقى له من متاع هذه الدنيا الزائلة.. ويدعي انه يرى القادمين والراحلين.. والضاحكين والباكين.. والناجحين والفاشلين.. لقد اكتفى بالفرجة وامجاد الزمن الذي مضى.. ويسكن جانب رأسه الأيمن صداع مزمن اسمه الصحافة.. وهمومها.. ومتاعبها.. ومشاكل العاملين بها.. وبالرغم من انه لم يركب القطار ولم يبحث عنه.. الا انه لم يغادر المحطة ولا احلامه الصغيرة.. وأخيرا تحرك على قضبان السكة الحديد ليلحق بآخر عربة.. ولكن خطواته بطيئة.. واعياه التعب.. فتوقف وبدأ يكتب على الرصيف وصاياه العشر.. ووضعها في اقرب صندوق للبريد الى جمعية الصحافة المزمع انشاؤها.. اما وصاياه فكانت كلها تتحدث عن احلامه وآماله المميزة.
شاهدته بالأمس القريب.. كان تعيسا وبائسا وحزينا.. لأن وصاياه لم تتحقق لسبب بسيط.. لأن الجمعية نفسها لم توجد اساسا.. لقد تحدث كثيرا وكتب كثيرا.. ولم يسمعه احد.. واحتار ماذا يفعل.. وهنا بدأت مرحلة أخرى اشد شقاء وأكثر سطوة على قناعاته السابقة.. ما عاد يهتم ولا يكترث ولا حتى يقرأ.
لقد أخذت منه سنوات التعب حماسه وبريق عينيه وصلابته وقوته وآثر عزلة اختارها لنفسه.. فهو لا يرى أحدا.. ولا يسمع احدا.. ولا يتحدث الى أحد.. سألته: أين أنت؟ فأجابني ضاحكا: اني هنا.. لكن لا أحد يراني.. فأجبته:
ربما لأنك لم تعد ترى الناس.. قال: هذا صحيح.. لقد اصابني الرمد وفقدت رؤية العديد من الأمور كما يجب.. فآثرت العمى على أن اشاهد وجوهكم. قلت له مداعبا: ولماذا كل هذا ياهذا؟
قال: انت تكثر المزاح والهذر.. دعني وشأني.
وتركته وأنا اتساءل: ما الذي غيره.. وكيف اختفى لسانه وعناده واصراره وطموحه ومجنه وجنونه؟ وهل يعتبر كل هذا الصمت عقلا.. أم انه ضرب آخر من انواع الجنون؟
وفي غمرة تساؤلي صحوت على صوته يلسعني ساخرا:(خذ هذا تراه ينفعك).. ومد يده بقصاصة كتب فيها شعرا للأمير بدر بن عبدالمحسن تقول:
==1==
في زمان الشح يفضح للقمر==0==
==0==مثل نور الشمس في الليل العتيم
في زمان الشح يفضح للحجر==0==
==0==مثل ما للسيف من قدر عظيم
في زمان الشح في وقت الدهر==0==
==0== كل مجد فرضنا يولد يتيم
وشنقول اليوم لأطفال القهر==0==
==0==في القصايد ذل والله العظيم
علمونا اليأس من صبر وحذر==0==
==0==علمونا القدس ننسى اورشليم
لا سقينا غيث هتاف المطر==0==
==0==كنا خضنا الحرب بأطفال وحريم==2== صح لسانك يا بدر... ولا أزيد
